الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الصين.. قرن يمحو قرناً

تجري الاستعدادات على قدم وساق في الصين لإحياء واحدة من أهم المناسبات الوطنية التي ارتبطت بتاريخ نهوض التنين الصيني واللحاق بركب الدول الكبرى، بعد مئة عام من الكفاح ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

وتكتسب تلك المناسبة أهمية خاصة هذا العام، حيث يحتفل الصينيون في الثلاثين من يوليو المقبل بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني الذي نشأ في عام 1921، ليصبح فيما بعد أحد أبرز عناصر التحول الصيني والقاطرة التي قادت التغيير عبر مراحله المتعددة التي بدأت بمرحلة النمو والتطور ثم الكفاح المسلح، وصولاً لتوحيد أراضي البر الصيني تحت قيادة موحدة في عام 1949.

ولا يبدو أن نشوء الحزب الصيني ببعيد على ذكرى أخرى يتشاءم الصينيون من ذكرها وهي مئة عام أخرى أيضاً عرفت بقرن الإهانة، مرت الصين العظمى التي نشاهدها اليوم خلالها بواحدة من أكثر مراحلها سوءاً، عندما تعرضت بين 1839 و1949 لسلسلة من التدخلات الخارجية والوصايات التي جرحت الكبرياء الصيني ومثّلت علامة سوداء في تاريخ بلد يزخر بالعراقة والأصالة والإنجازات التي وصل صداها لكل بقاع العالم.


وقد كانت مساعي النخب الصينية لمحو «قرن الإهانة» وطي صفحته السوداء واحدة من الأسباب الأساسية في نشوء الحزب الشيوعي الصيني، كمشروع سياسي وطني يعيد الاعتبار للصين، ويضعها في المكانة التي تليق بتاريخها العريق، وهو ما نجح فيه الصينيون بالفعل في عام 1949 عندما أعلن الزعيم «ماو تسي تونغ» رسمياً نهاية هذا القرن المشؤوم في التاريخ الصيني وتأسيس جمهورية الصين الشعبية.


والحقيقة أن الحزب الشيوعي الصيني قدم نموذجاً فريداً يستحق التأمل في إدارة التحولات والتأقلم مع عواصف التغيرات الدولية، واستيعاب المتطلبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرّ بها العالم، وتسببت في سقوط الاتحاد السوفييتي، في الوقت الذي تمكّن الصينيون من صناعة نسختهم الاشتراكية الفريدة التي ساعدتهم على تجاوز العقبات والمضي قدماً في برامج وخطط النمو الاقتصادي والاجتماعي التي نشاهد نتائجها اليوم.

ومن يقترب قليلاً من تفاصيل الثقافة والتاريخ الصينيين فلن يندهش كثيراً لسرعة الإنجازات التي تحققت في هذا البلد الكبير، والمترامي الأطراف والمتنوع، والذي نشأت فيها ديانات ومذاهب فكرية كلها قائمة على الحكمة وإعلاء منهج العقل والعمل.