السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الدولة والمواطن.. العلاقة المصيريّة

كان الهدف من بناء مسجد مؤخراً في ساحة «تقسيم» في إسطنبول، هو إزالة آثار الحراك الشعبي ضد الحكومة قبل ثماني سنوات.

وفي ذلك الوقت، أطلقت السلطات التركية خطتها للترويج لأطروحات الإخوان السياسية والاجتماعية.

وبعد أن تم تحويل كنيسة آيا صوفيا التاريخية إلى مسجد، فها هي تعدّ العدّة لمصادرة مواقع رمزية أخرى لتحقيق غايات وطموحات أخرى.


والواقع يقول أنه يبقى من المشكوك فيه أن يتمكن زعيم سياسي من إعادة كتابة التاريخ حتى لو طال بقاؤه، فيجب ألّا ننسى أن للشعوب ذاكرتها الخاصة، وكثيراً ما تتضارب اهتماماتها مع اهتمامات قادتها، وربما تكون متاعب الحياة اليومية أكثر تأثيراً على مواقف الشعوب حيال مغامرات القادة السياسيين، من مغامراتهم لاستعادة أمجاد إمبراطوريات سابقة.


ولا يمكن العودة إلى الوراء أو إحياء الماضي، والكثير من بلدان العالم، يحكمها اليوم زعماء يحاولون استغلال حالة الحرمان التي تعيشها شعوبهم، بعد أن فقدوا القدرة على تلبية احتياجاتهم، ولهذا السبب فإنهم يروّجون لأفكار تدعو للانتقام من التاريخ، وهذا أمر خطير لأنه أدى إلى إشعال حربين عالميتين مريرتين خلال النصف الأول من القرن الماضي.

وبغضِّ النظر عن هذه الأهوال والمخاوف العالمية، فإن الأحداث التافهة قد تستحق الاهتمام أيضاً، فأنا أعيش في قرية فرنسية صغيرة وهادئة اعتاد الشاعر العظيم والروائي الكبير والكاتب المسرحي فيكتور هوغو أن يقضي عطلاته فيها، إلا أن حدثاً يبدو تافهاً عكّر صفوها.

ففي غابة تقع خلف الوادي المجاور للقرية، قامت شرطة مكافحة الإرهاب بتجديد حصن قديم من أجل استخدامه في التدريب على الرماية، ولقد كان لهذا الإجراء أن يحوّل الحياة اليومية في القرية إلى جحيم عندما شعر سكانها، وكأنهم في أتون حرب مستعرة.

وذات يوم، كنت أتحادث حول هذا الموضوع مع عضو مجلس الشيوخ الذي يمثل القرية، وتساءلت عما إذا كان من المنطق تبرير هذا الضرر الذي لحق بالسكان، بأولويات المصلحة العامة في التدريب على مكافحة الإرهاب، وكيف تم اتخاذ هذا القرار من دون استشارة المواطنين؟ وهل بقيت هناك ثمّة علاقة بين الدولة والمواطن بعد أن تم إغلاق كل أبواب الحوار؟

وكان لا بدّ من انطلاق حراك للمواطنين للضغط على أصحاب القرار لنقل مركز التدريب إلى مكان آخر، وبهذا تم إهدار الوقت والجهد لمعالجة مشكلة كان تجنّبها ممكناً منذ البداية.