الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

ملاديتش.. والعدالة الدولية

القانون الدولي الحالي يُعْنَى بحفظ النظام والأمن الدوليين أكثر من اهتمامه بالعدالة الدولية، رَغْمَ الخطوات الكبيرة التي قُطِعت (ولو نظريّاً) في هذا الاتِّجاه بإنشاء نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية 1998؛ لكن الولايات المتحدة رفضت الاعتراف بهذه المحكمة، وحمَت جنودها من المتابعة في جرائم الحرب والإبادة الجماعية عندما دَعَت المدعية العامة لهذه المحكمة فاتو بنسودا إلى تحقيق في جرائم الجنود الأمريكيين في الحروب؛ بل إن هذه القوة العظمى أهانت المحكمة وقالت إنها ستعاقب مدعيتها العامة!

وإذن، فإن القانون الدولي يحتاج إلى المراجعة والتطوير ليكون قانوناً دوليّاً حقيقيّاً، ولينتقل من مهمة حفظ النظام الدولي والمصالح القومية للقوى العظمى إلى قانون يحقق العدالة ويحمي الجميع.. فـ«لا يزال المجتمع الدولي في مرحلة بدائية من التطور فيما يتعلق باستبدال حكم القانون بحكم القوة»، كما قال فريدمان ولفغانغ المختص في القانون الدولي.

والأمثلة كثيرة لا تكاد تُحصى؛ فلننظر ـ مثلاً ـ إلى حالة ماينمار (بوما سابقاً) التي اقترف جيشها وقادتها السياسيون إبادة جماعية وحشية للمسلمين الروهينغا تحت حماية حق النقض، فلم يستطع مجلس الأمن الدولي ولا المحكمة الجنائية الدولية اتخاذ أي خطوة عملية جادة لمتابعة المجرمين وإنصاف الضحايا؛ إلا ما كان من خطابات الاستنكار والإعراب عن الحزن والقلق حول ما يحدث، والغريب أن تكون أونغ سان سو تشي، رئيسة وزراء مانيمار سابقاً والضالعة حتى النُّخاع في هذه الجرائم الوحشية، حاصلةً على جائزة نوبل للسلام 1991، وجوائز أخرى في دول عديدة!


لكن رفض المحكمة الدولية بلاهاي يوم الثلاثاء الماضي استئناف الحكم بالسجن المؤبد لمجرم الحرب والإبادة الجماعية، راتكو ملاديتش القائد العسكري السابق لجيش صرب البوسنة، يمثل انتصاراً، ولو معنويّاً، للعدالة الدولية، رغم أن ذلك لن يُحيي الموتى ولن يُعيد المعوَّقين والمشوَّهين إلى الحياة الطبيعية؛ فهل يُصلح العطَّار ما أفسد الدهر؟ إلا أنه رغم ذلك قرار مهم، ليُدرك مجرمو الحرب أن سيف العدالة الدولية سيظل مسلَّطاً على رقابهم وأن أيَّامهم قد تأتي في المستقبل.


نعم هناك مجرمو حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية من مواطني دول قوية نووية لا يزالون يتمتعون بحماية دولهم لهم من المتابعات الجنائية، وهذه ثغرة كبيرة في القانون الدولي والعدالة الدولية!