الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

العدّ التنازلي للجائحة

في ربيع 2020 كانت صدمة الوباء بلا حدود، وفي صيف 2020 ساد اليأس معظم سكان العالم، وبدَا المشهد خالياً من احتمالات عودة الحياة من جديد.

كانت كل الأخبار سيئة، وكانت الأسابيع تمرُّ من دون خبر جيّد، لا توجد في عناوين الصحف والمواقع، ولا مقدمة نشرات الأخبار سوى أرقام الموت، وأرقام الإصابة، وقرارات الإغلاق، وحظر التجوّل، كان الأمر أشبه بحزمة قرارات قضائية بشأن جميع البشر: تحديد الإقامة ومنع السفر.

كانت بعض الإضاءات وسط ظلمات الجائحة تعطي المتفائلين جرأة الأمل، وكان إعلان أستراليا ودول أخرى النجاح في عزل الفيروس بداية الطريق الجانبي للخلاص.


الآن، وفي صيف 2021 تغيّرت الأمور كثيراً، وأمكن للعالم استعادة الأمل، والثقة في عودة الحياة من جديد، كان ذلك النجاح المذهل للعلماء مفاجأة عظيمة سبقت معظم التقديرات بكثير، ففي غضون عام كانت عدة لقاحات تأخذ طريقها إلى ملايين الناس حول العالم.


أصبح لدينا مصطلح جديد شديد التفاؤل «السيطرة الكاملة على الوباء»، وخريطة الطريق لذلك النجاح في حملة تلقيح عالمية شاملة، فإذا ما وصلت في عام 2022 إلى (70%) من سكان كل دولة، جرت «السيطرة الكاملة» ليعود العالم إلى الحياة الطبيعية أو شبه الطبيعية في عام 2023.

لقد أدت ضغوط الإعلام والنخب العالمية على الدول الغنية التي تمتلك أضعاف احتياجاتها من اللقاح، إلى دفع الولايات المتحدة لإعلانها التبرع بنصف مليار جرعة للدول الفقيرة، كما أن هناك آفاقاً لتبرع دول أخرى لآلية «كوفاكس» التي تحاول تحقيق «عدالة اللقاح» على مستوى العالم.

لم يستسلم أنصار نظرية المؤامرة من «التحالف العالمي ضد اللقاح» لذلك الإنجاز العلمي الكبير، ولا يزالون يروجون لخطورة اللقاح، ومخاطر الحصول عليه، لكن ملايين الضحايا حول العالم، والذين تقدرهم مجلة الإيكونوميست البريطانية بثلاثة ملايين ونصف من الضحايا، فضلاً عن عشرات الملايين من المصابين، يمثلون أكبر تدمير للفكر التآمري، حيث بدأ الزحام في كل مكان للحصول على اللقاح.

ستغربُ الجائحة قريباً من دون شك، وحين يصل اللقاح المدى المطلوب عالمياً وعلى امتداد القارات، سيكون الفيروس قد بدأ بالضعف، كما أن العلاج سيكون بالإمكان، ولكن الأثر النفسي للجائحة هو ما يشغل علماء النفس والاجتماع الآن.

كنتُ ضيفاً على الإعلامية نوفر رامول في البرنامج المتميز «قابل للنقاش» على تلفزيون دبي، وكان الحديث بشأن علم نفس الجائحة، وكان المتحدثون في حالة قلق كبيرة من المستقبل النفسي للبشر في السنوات المقبلة، ذلك أن الآثار النفسية لكارثة تشيرنوبل ثم فوكوشيما، وكذلك إعصار كاترينا وتسونامي آسيا لا تزال حاصلة لدى من عاصروها حتى اليوم. سأظل واحداً من معسكر التفاؤل، وسأظل آمل في نجاح العلوم الاجتماعية كما نجحت العلوم الطبيعية، وعن قريب سيعود العالم إلى حياته السابقة، ولكن العائدين إلى الحياة سيكونون قد تعلموا الكثير جداً ممّا كان يجب تعلّمه قبل الجائحة.