الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

«الصَّفعة الرئاسيّة».. البعد الرمزي

انتهت قضية «الصفعة الرئاسية» وأسدل الستار عليها شكلياً على الأقل، فقد تم التعرف على الشخص الذي صفع الرئيس الفرنسي، وهو شاب من السترات الصفراء، اسمه داميان تاريل، كما حددت هويته السياسية أو النقابية من خلال اعترافه: «لقد عبّر أصحاب السترات الصفراء والشعب الفرنسي، لكن بالمقابل، لم يسمع أحد نداءهم» وتم الحكم عليه لمدة أربعة أشهر سجناً نافذة، وأربعة عشر شهراً، مع وقف التنفيذ.

من ناحية الرئيس، اعتبر ذلك حدثاً عادياً: «أظن أن ذلك لا يعني الشيء الكثير، فهو ليس أكثر من فعل منعزل، كانت هناك لحظات في بلادنا مشحونة بالعنف عشتها كرئيس جمهورية أيام أزمة السترات الصفراء، البلاد لم تعد اليوم في تلك الوضعية»، لكن أمر الصفعة من الناحية الرمزية يختلف، فهو محمل بالمعاني، من ذلك: أن العنف طال كل الحقول، من المجتمع العام المعرض للعنف، إلى الحقل الحميمي، أي الرئيس بوصفه ممثلاً ديمقراطياً لشعب انتخبه رسميّاً، لم يعد اليوم راضياً عن ممارساته، ربما كان للجائحة دور كبير في الوضع المتردي، ولكنّ للتسيير السيئ للبلاد وقلة الشجاعة السياسية، دوراً حاسماً، من يتأمل العنف في فرنسا، سيرى أن الأمر يتسع ويسير بشكل تصاعدي، وبدل أن تتحمل الدولة مسؤولياتها راحت تصدر قوانين تجرم كل من يلتقط صوراً تفضح التجاوزات الأمنية أو غيرها.

القصد حماية الشرطة وهذا مفهوم، لكنه يتناقض مع بند الحرية الذي يحكم الفلسفة الفرنسية كلها، وعملياً، فضحت هذه الصور الكثير من الممارسات العنصرية، مع صعود متواتر لليمين المتطرف الذي يستغل هذا الوضع لاستثماره، لهذا راهن على الجانب الأمني، وطالب بتسليح شرطة البلديات ومحاربة الهجرة، وقد سقط الكثير من المثقفين في هذه اللعبة التي تختزل كل مشكلات المجتمع الفرنسي الاقتصادية بالدرجة الأولى، وقد سيطر نوع من الإعلام الموجه نحو الهجرة، يُحمّل الآخر المهاجر، بمعنى مباشر العربي والمسلم، كل ويلات الإخفاقات والشرور.


قد لا يكون المهاجر ملاكاً، لكن ما يحدث اليوم، هو محصلة وليس سبباً، ولم يعد صانع الوعي اليوم هو المثقف والفيلسوف، بل منشطو القنوات الذين يمتازون بالضحالة الثقافية التي تعتمد على الظاهر دون تحليل، لكنهم يملكون الوسيلة التي تصنع نجوميتهم، أي تحولهم إلى مرجع معلوماتي، إذ انسحب المفكرون ليس رغبة منهم، ولكن لعدم دعوتهم، في ظل هذا الوضع، أصبح حديث المفكر غير مرغوب فيه، إلا إذا كان «فيلسوفاً» لا يخفي عنصريته مثل آلان فلكنكراوت، أو معلقاً سطحياً مثل إيريك زمور، الذي يلصق كل الأمراض بالهجرة وبالاختلاط الهوياتي، فحصرت مساحات النخب الثقافية في أماكن نشاطها، الجامعات، ومراكز البحث العلمي، ولكن وجودها في وسائل الإعلام أصبح محدوداً ومنعدماً، ولهذا فالصفعة التي لا تقتل، يجب أن توقظ وتنبه للمخاطر المحدقة؟