السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الغرب يواجه «الحزام والطريق»

قبل عدة أعوام، وفي نقاش مع أحد أهم الشخصيات السياسية العربية، قال: إن المساحة التي تشغلها الصين وروسيا في العالم لا تزيد على تلك التي تنسحب منها الولايات المتحدة، أي إن الدولتين لم تفرضا نفوذهما، بل سمحت أمريكا بذلك نتيجة تراجعها في القضايا الدولية.

في السنوات الماضية، اختلفت الأمور كثيراً وتمكّنت الصين تحديداً من إعادة هندسة العالم في إطار مبادرتها «الحزام والطريق» التي أطلقتها في عام 2013، لبناء شبكة اقتصادية وهياكل تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا، بحيث لم يعُد الموضوع مرهوناً بمساحة النفوذ التي تسمح بها واشنطن، ولم تعُد بكين تكترث للمساحات الأمريكية، حيث تمكنت من التغلغل في العديد من الدول عبر مشاريع البنى التحتية والاقتصادية بشكل يجعل من الصعوبة بمكان تهديد نفوذها.

مجموعة الدُّول السبع أطلقت خطة عالمية لتمويل البنى التحتية للدول الفقيرة رداً على مبادرة «الحزام والطريق»، وربط الخطة الغربية بمفاهيم الديمقراطية، التي ترى المجموعة في تصاعد النفوذ الصيني تهديداً حقيقياً لها.


بكين بدورها لم تتأخر في الرد، حيث أكدت أن «الأيام التي كانت تقرر فيها مجموعات صغيرة مصير العالم قد ولّت منذ فترة طويلة»، ولم يعُد ممكناً أن يتم حشر الصين في زاوية نفوذ تحددها لها أمريكا وحلفاؤها.


خطة البنى التحتية للدول السبع في جوهرها اعتراف بنجاح مبادرة «الحزام والطريق»، فما حقّقته الصين من اختراق دولي أثبت أن العالم أصبح يميل إلى النظرية الصينية التي ترى في التنمية بديلاً عن الأخلاقيات الغربية التي بقيت لعقود مجرد شعارات براقة، لم تنعكس على الواقع المرير الذي تعيشه الكثير من الدول الفقيرة، فهذه الدول تريد مَن يقف معها في مواجهة مشاكلها الاقتصادية لا مَن يحدثها عن الديمقراطية.

وحرب «البنى التحتية» التي أطلقتها مجموعة السبع رداً على الصين تشكل إعلاناً صريحاً بأن الغرب بدأ يدرك فعلاً أن بكين وصلت إلى المرحلة التي قد تقلب فيها الطاولة على الجميع، وتعيد تشكيل النظام العالمي بما ينسجم مع رؤيتها وفلسفتها، خاصة مع ارتباط اقتصادات كثيرة في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط بالاقتصاد الصيني، وتكبيلها بديون مليارية تجعلها باقية تحت عباءة بكين.

باختصار، فإن واشنطن هي التي قررت التراجع في فترة أوباما، وهي التي غلّبت سياسة «أمريكا أولاً» في عهد ترامب، وتركت بكين تمارس نفوذها كما تريد، ولكنها لن تستطيع إعادة الصين كما كانت قبل 2013.