الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

ماكرون.. والنحاس باشا

صفع شاب الرئيس إيمانويل ماكرون، الأسبوع الماضي، في إحدى المدن الفرنسية وتبين أن الشاب يميني متطرف، جرت محاكمته بسرعة وأدين بالسجن أربعة شهور، وكان ماكرون في جولة انتخابية فذهب إلى بعض المواطنين يصافحهم، وهكذا جاءت الصفعة.

يومها تحولت الواقعة إلى خبر رئيسي حول العالم، وفي عالمنا العربي تباينت التعليقات، بعض المعلقين راحوا يتساءلون: ماذا لو أن الواقعة جرت مع مسؤول في مدينة عربية؟ ماذا كان يمكن أن يقع للشاب من رجال الأمن المكلفين بالحماية؟ وهكذا وجدنا تعليقات سمجة وجهولة، وكأن الصفع معيار من معايير الديمقراطية، ونسي هؤلاء جميعاً أن إقرار قاعدة أو مبدأ الصفع للتعبير عن الرأي، يفتح الباب لتجاوزات لا أو للها ولا آخر من كافة الأطراف.

وإذا كانت واقعة الصفع جرت مع الرئيس ماكرون، ومن قبله مع الرئيس ساركوزي، فإن هناك واقعة قديمة جرت في القاهرة مع الرئيس مصطفى النحاس باشا عام 1938، عقب صلاة الجمعة مباشرة أمام مسجد الإمام الشافعي، كانت عادة النحاس أن يصلي الجمعة في مساجد مختلفة، وعقب الصلاة يصافح الجماهير وكان محبوباً منهم، في ذلك اليوم ما أن انتهى الزعيم من الصلاة، حتى وقف أمام المسجد يصافح المواطنين ويتبادلون بعض الأحاديث، هنا تقدم شاب أسمر، طويل ومد يده يصافح الباشا وباليد الأخرى فعلها وهمَّ بالجري، لكن المواطنين أمسكوا به وأصر النحاس على تقديمه للنيابة العامة حيث تم التحقيق معه.


كان الشاب ينتمي إلى الحزب الوطني، حزب الزعيم مصطفى كامل، الذي يرفض مطلقاً أي حوار أو تفاوض مع بريطانيا العظمى قبل الجلاء عن مصر.. قيل هذا الكلام من قبل للزعيم سعد زغلول، فتهكم متسائلاً: وعلى ماذا نتفاوض بعد الجلاء؟


وتحوّل موقف الحزب الوطني إلى مادة للتندر وانصرف عنه الجمهور، فصار حزباً للأقلية، محدود التأثير في الشارع وعلى مستوى صنع القرار والسياسات العامة، بقي منه بعض الشباب يناوشون الجميع، لكن صفع زعيم الأمة لم يرد بخيال أحد، لذا تعاطف الجميع مع مصطفى النحاس، وازدادت جماهيريته، واستنكف كثيرون من عدم الفتك الفوري بالشاب المتهور، لكنهم أكبروا لجوء الزعيم إلى النيابة العامة، وحده وقف الكاتب والمفكر عباس العقاد مُندِّداً بالنحاس بأنه ترك أنصاره يمسكون الشاب الوطني، وقدموه للنيابة العامة، الأمر عند العقاد أنه شاب وطني، متحمِّس، وكان يجب تركه والتسامح معه وعدم تقديمه للقضاء.. كان العقاد في ذروة خلافه الشهير مع النحاس، وهذا الذي دفعه إلى أن ينشق عن حزب الوفد نهائيّاً.