الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

« العصبيّة».. وحكم الأمم والشعوب

يُعدُّ العلاّمة عبدالرحمن بن خلدون (1332 ـ 1406) أحد أبرز المفكّرين في تاريخ الحضارة العربية وخاصة فيما يتعلق بنظريته حول الدورات التاريخية، ومن أشهر أعماله كتابه الجامع (المقدمة) الذي يشرح بالتفصيل سياسات العالم المعاصر.

وأحد المفاهيم الأساسية التي تنطوي عليها نظريته هو «العصبيّة» التي تعني «التضامن الجماعي» أو «اللُّحمة الاجتماعية»، وقد تشير في معناها الأعم إلى «هويّة» المجموعات أو الأقوام، وعادة ما تتجذّر هذه الصفة في أوساط الأقوام أو القبائل أو الأمم التي تجمع بينها قناعات وقواسم مشتركة مثل المعتقدات الدينية.

وتميل المجموعات المتطرفة في عصبيتها للاستيلاء على السلطة السياسية، وتأسيس السلالات والأُسر الحاكمة كتلك التي شهدتها البشرية عبر تاريخها الطويل.


وبمجرد تأسيس السلالات، يصبح الحفاظ على المشاعر «العصبية» أثناء انتقالها عبر الأجيال المتعاقبة هي المهمة الأصعب، والأكثر أهمية بالنسبة للمسؤولين أو حكّام تلك السلالات، وعادة ما تكون الروابط القائمة على قرابة الدم هي الأقوى من غيرها، إلا أنها قد تضعف بمرور الوقت.


ويرى ابن خلدون أن السُلالات لا تلبث أن تواجه التحديات والمصاعب عندما يصل الجيل الثالث أو الرابع إلى السلطة، ويتحمل مسؤولية الحكم.

وذلك لأن الأجيال الأولى هي التي تحتكم إلى عصبيتها الأكثر قوّة، تحت قيادة الزعماء البارزين من ذوي قوة التأثير الطاغية «الكاريزما».

وتصبح لدى الأجيال التالية الخبرة الضرورية في العمل، الذي تتطلبه متابعة إنجازات الأجيال الأولى، التي تولّت بناء البلد والنظام الحاكم من اللاشيء.

وتنتاب الأجيال الثلاثة حالة من فقد القدرة على الاحتفاظ بـ«عصبية» الجيلين الأول والثاني، وتبقى طريقة التغلب على ضعف هذا العنصر الأساسي، هي العامل الأكثر أهمية في تحديد مدة بقاء النخب الحاكمة على رأس السلطة.

ومن الواضح أن هذه الأنماط التي وضعها ابن خلدون لدورة السلالات قبل أكثر من 600 عام، تنطبق على الأنظمة السياسية الحالية.

وعلى سبيل المثال، يحتفل الحزب الشيوعي الصيني قريباً بمرور 100 عام على تأسيسه، وكان قد تأسس في شنغهاي يوم 1 يوليو عام 1921، ويتحكم بقيادته عدد من كبار المسؤولين الشيوعيين الذين يُطلق عليهم اسم «تايزو دانج» ويعني «حزب ولي العهد»، ويتألف من زعماء الجيل الثاني أو أبناء الجيل الأول الذي بادر لتأسيس الحزب.

وتعيش الصين الآن الجزء الأخير من حكم الجيل الثاني، وتتركز الأولويات السياسية هناك على إطالة فترة حكم هذا الجيل قبل وصول الجيل الثالث، الذي لا يمكن الركون لقوة «عصبيّته».