الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الجزائر.. أثر المقاطعة

الانتخابات التشريعية المبكرة التي انتظمت السبت قبل الماضي في الجزائر، كانت مُهمَّة سواء لحسابات المشهد الداخلي، أو لانشغالات الجوار والمنطقة بمجريات السِّيَاسة في الجزائر.

أفرجت الانتخابات عن نتائج دالَّة على خصوصيَّات الوضع الجزائري، وأشارت إلى أن «شعب المقاطعة» كان أكثر حسْماً من عموم المصوِّتين، وإلى أن الشعب الجزائري قرأ بتمعّن دروس الربيع العربي التي أسفرت عن أزمات تفاوتت مفاعيلها حسب الأقطار.

جرت أول انتخابات تشريعية تشهدها الجزائر منذ انطلاق حراك فبراير 2019، في ظل توجسات شعبية كثيرة.. الحذر الأول كان مشتقاً من دروس العشرية السوداء، والحذر الثاني من جرد الخسارات التي عرفتها دول الجوار في النسخة الأولى من الربيع العربي، وعكس الحذر الثالث محاولة الجزائريين التوفيق بين تفادي عودة النظام القديم وبين تجنب تسلل باقي الحركات ذات التوجه الديني من ثقوب الانتخابات.


لكن كل تلك التوجسات أنتجت عزوفاً شعبياً واسعاً: مقاطعة الأحزاب العلمانية واليسارية ومقاطعة منطقة القبائل لأسباب تاريخية وثقافية وسياسية واجتماعية.


نسبة المشاركة الضعيفة (30.2%) لم تؤدّ فقط إلى فقدان الحدث الانتخابي قسماً من مصداقيته، بل أفرزت جملة من المظاهر السياسية، التي ما كان لها أن تحدث لو لم تخترْ غالبية الشعب الجزائري مقاطعة الانتخابات.

جرت الانتخابات في سياق سوء تفاهم بين الشارع والنظام الجديد، وأدت إلى تصدر حزب جبهة التحرير الوطني قائمة الفائزين بـ105 مقاعد، يليه المستقلون بـ78 مقعداً، ثم حركة مجتمع السلم الإخوانية بـ64 مقعداً.

إن صعود الفائزين كان درساً سياسيّاً بالغ الدلالة.. المفصل الأول للدرس هو أن المقاطعة، حتى إن كانت تعبر عن موقف سياسي، تترك المجال لمن يريدون إنتاج الهندسة القديمة للمشهد، والمفصل الثاني أن مثل هؤلاء يستفيدون دائماً من ثغرات المقاطعة، وأن تقدم حركة مجتمع السلم وحركة البناء، يرجع لأن نباتهم لا ينمو سوى في الأرض البور.

لقد كان نجاح النظام الجزائري في تأكيد شرعيته نجاحاً نسبياً محفوفاً بما أفرزته الانتخابات من تشتت سياسي، ولم ينجح المقاطعون في لفت الأنظار إلى مطالبهم بحل المشكلات الجوهرية التي اندلع من أجلها حراك 2019، ولا في إثبات وجاهة مقاطعتهم للانتخابات، ولم تنجح الحركات ذات الأيدلوجية الدينية، في الفوز بالأغلبية رغم استنفار كل قواهم ورغم اتكائهم في أكثر من محافظة على قوائم مستقلة.

تصدرت الأغلبية الصامتة أرقام الانتخابات التشريعية في الجزائر، ووجهت رسالة إلى النظام يفترض به أن يقرأها بتأنٍّ حتى يسد الفجوة بينه وبين الناس، وفي سدِّ الفجوة تحقيق مطالب وانتظار.