السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«تأنيث السياسة».. وجمال الحضور

السّياسة بطبيعتها مؤنثة، وإن بَدَت فعلاً ذُكوريّاً ساحراً لعقول البشر وليس عيونهم فقط، وهذا ليس حُكْماً نابعاً من ذلك الاجتهاد السياسي في دولنا العربية، المفروض بقوة الآخر الحضارية والقانونية والعسكرية، أو آتياً من معرفة لنمط السلطة بعد توهُّم، إنما تُظْهِره في واقعيَّته حججٌ دامغة قاهرة للسيطرة الرجالية، فتبدو هذه الأخيرة باطلاً ثم يحقُّ عليه القول فيغدو زَهوقاً.

ولذلك حين يتم الترويج لإشراك النساء في الحكم ضمن أطر تحكمها الذكورة، وليست الرجولة، نجد أنفسنا أمام قسمة ضيزى في علاقة المرأة بالرجل، أو النساء بالرجال، حيث التقسيم الوهمي للأدوار ينتهي بنا إلى معارك، وحين تبلغ الذروة وتتحول إلى حرب، نضعف أمام الفطرة، فنعود إلى حيث الضرورات التي نبرّرُها بإباحة المحظورات، وتظل تلك الحرب قائمة ما دام الانشغال في عصرنا هو العيش في الرفاهية، وليس الكدّ من أجل صلاح أفعالنا رجالاً ونساء في الدنيا والآخرة.

هنا يأتي السؤال الحاسم: من يحرك السياسة من وراء جُدُر من لحظة الحَمْل بالقائد السياسي المجهول إلى أن يبلغ سن الرّشد؟ والمقصود بالسياسة هنا السلطة بكل أنواعها، بما فيها السلطة على القلب والمشاعر ولغة التعبير والحركة والإشارات، وبهذا المعنى نبتعد رويداً عن الحكم من حيث هو تسيير أمور الدولة لنصل إلى السلطة من حيث هي تدبير أمور الحياة، عِشْقاً وحبّاً وإنجاباً وتربيةً وتعليماً.. أليست هذه أغلبها أفعالاً نسويَّة؟!


إننا جميعاً ـ يا سادة ـ نتاج النساء مع تأثير بسيط للرجال، وكثيرات منهن: أمهات، أزواج، أخوات، صديقات، خليلات، وعاشقات يؤثرن بشكل مباشر في صناعة القرار السياسي في كل دول العالم، وهذا لا يعني تطبيق مقولة: «وراء كل عظيم امرأة»، وإنما تأكيد على أن السياسة التي هي أحد أنواع السلطة مؤنثة أساساً، وبالتي لا تحتاج لقوانين أو قرارات لأجل إزالة المظلومية أو التعبير عن التطور، أو التسليم بفكر عالمي قد يؤدي في شططه إلى إنهاء دور الأسرة.


النكوص نحو مراحل بعيدة من التاريخ البشري، حيث انتهاء «الأسرة الأميسية» مع إرسال نبي الله نوح عليه السلام، كما تشير بعض الدراسات الدينية، لا يختلف كثيراً في تبعاته العلائقية بين الرجل والمرأة عن إفراغ «الأسرة الأبيسية» الراهنة من دورها بحجة واهية هي «تأْنيث السياسة»، ولا شك أن هذا الوهم ـ وإن تحقق بعض منه ـ سببُه سيطرة الرجال على مقاليد الحكم، والحقيقة أن المرأة حاضرة بقوة الفعل السَّابق واللاَّحق في حياتنا، وما أجمله من حضور!