الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

ثقافات محليّة.. تُنسج عالمياً

لقد بات العالم اليوم وحدة بشرية واحدة تحكمها أنماط معيشية متشابهة من حيث التفكير والمشاعر، وأدوات الاتصال والتفاعل والتواصل اللغوي، واستخدام نفس الوسائل والأنظمة والمصطلحات والمفاهيم، واتباع ذات المعايير للحصول على العلم والعمل والعلاج والسفر وممارسة الأعمال وغيرها، الأمر الذي أدى إلى بروز ثقافات ذات طابع عالمي ومادي طغت على الثقافة المحلية للدول، وبدأت تأخذ جزءاً من أدوارها.

وكان لقضايا العولمة وليبرالية السوق وثورة الاتصالات والمواصلات والانفتاح العالمي، وظهور الشركات المتعددة الجنسية، وبرامج الإصلاحات الدولية وتدويل الإنتاج والأسواق والأفكار، وسيادة اللغة الإنجليزية وانتشار نموذج التعليم الغربي وغيرها، دور بارز وواضح في الدفع نحو هذا الاتجاه، لدرجة يصعب فيها اليوم وفي كثير من دول العالم الفصل ما بين العام والخاص وما بين المحلي والعالمي، حيث الكثافة في الضخ الخارجي لثقافات المتحكم ونماذجه، والكل بحكم انفصال مكونات الثقافة وغيرها عن الزمان والمكان، يصبح أسيراً لهذه الثقافة الموّجهة، خصوصاً أنّها تملك ميزة تجاوز الحدود الجغرافية والسياسية والثقافية بسهولة ويسر، بسبب تطورات العالم الرقمي المذهلة، ففي ثانية واحدة وبضغطة خاطفة تصل إليك وإلى بيتك ومؤسستك ومجتمعك.. إلخ.

إنّ التطور التكنولوجي الحاصل اليوم، يدفع باتجاه التحول إلى النمط الواحد في التفكير والعلاقات والتعامل والعيش، وهو يحاول، إضافة إلى أدوات العولمة، إيجاد نوع من الثقافة العالمية المتشابهة، بينما يتحدث البعض عن خطورة عولمة الثقافة، التي تحاول تأسيس ثقافات جانبية تؤثّر في الثقافات المحلية ذات الأبعاد الحضارية الضاربة في التاريخ، وهناك من يُسميها «تبعيّة ثقافية» و«إمبريالية ثقافية» كالعالم النرويجي «جون غالتينغ»، أثناء حديثه عن طبيعة العلاقة التي تربط ما يُعرف بدول المركز (الدول الغنية) ودول المحيط (الدول الفقيرة)، حيث يقول: إنّ هذه الثقافة تُوفرها دول المركز كمنتج وتعليم ووسائل استقلالية ثقافية، وفي دول المحيط تكون على شكل تلقٍ وتلقين وتبعيّة ثقافية (غزو ثقافي).


والملاحظ اليوم أنّ وضوح هذه الثقافة العالمية تكون بشكل أدق عند الأطفال وجيل الشباب، من حيث التواصل اللغوي والمأكل والملبس والأدوات والسلوكيات والاهتمامات والقناعات والأذواق والأفكار والأحلام، ويكفي أن نلقي نظرة واحدة لأجيال اليوم لنكتشف تأثير هذه الثقافة بشكل جلي.


وأخيراً، يبقى التحدي الأكبر لدول العالم غير الغربية، إمّا الرضوخ لفكرة ومتغير بدْء تشكُّل الثقافة المحلية خارجياً، أو القيام بمبادرات ثقافية منافسة تُقابلها، أوالتصدي لها أو التحصين منها، على الرغم من شدة تأثيرها كموجة كونية مُنظّمة واشتدادها يوماً بعد يوم.