الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

حرية التَّعْبير.. أمْ حرية التَّخْييل؟

كثير من كتاب الأعمال الأدبية والفنانين والسينمائيين يتحدثون صباح مساء عن فكرة «حرية التعبير» التي تعني لدى كثيرين منهم في وعيهم وفي لاوعيهم: أن يقول الفنان ما يريد قوله بحرية، وخارج الحواجز المعطلة له، لأن الأمر يتعلق بفكرة نبيلة وإنسانية تتعلق بمهمة الفنان.

بينما الذي لا يعرفه الكثيرون هو أن فكرة حرية التعبير تبنى على «حرية التخييل» التي هي أكثر شمولية، فأن تكون حراً في تعبيرك هذا يعني ببساطة أن تقول ما يخطر ببالك، أي كل ما يشغلك في فنك أو في علاقتك بمجتمعك، بحيث تشعر في النهاية أنك كنت وفياً لمثلك، وصادقاً مع فنك وخطابك.

لكن حرية التخييل شيء أعقد، فهي الآلية المضمرة التي تسمح لحرية التعبير بأن تكون حرة، وهنا الاختلاف، لأن الأمر لا يتعلق فقط بحرية القول والكلام الذي يعتبر عتبة إنسانية ضرورية، ولكن بحرية أن تتخيل القول الذي ستقوله، أي أن داخلك الذي يصدر عنه خطاب الحرية حر كلياً ليس محتلاً منذ الطفولة، بحيث تصبح أفظع الأشياء أمامك عادية والعكس صحيح.


لنجسد ذلك بمثالين من حياتنا حاضراً وماضياً.. الجمهور الأوروبي الواسع (وليست النخب الواسعة والواعية المنتصرة للحق وللحرية) يُربَّى هناك من خلال وسيط إعلامي وأيديولوجي محدد، داخل نظام حر في الظاهر لكن وفق استراتيجيات مُسْبقة تجعل من هذه الحرية شيئاً مقيَّداً، فيظن المدافع عن حق حرية التعبير أنه حر كليّاً، ويدافع عن الحق الذي يعطي للحرية صفة الشرعية، وينسى أنه في عمق الاغتراب الذي يجير الحقيقة لشيء أكبر.


ولنأخذ صورة المسلم أو العربي في لاوعي الفرد الأوروبي العادي الذي يعيش أغلب وقته مواجهاً لجهاز التلفزيون؟ المسلم، العربي، هو الإرهابي، المجرم، المحب للذات والمال، القاتل للأطفال، المغتصب للنساء، في النهاية لن تكون في الأمر أيّ غرابة، إذا جلس بجانبك شخص أوروبي وسمعك تتحدث باللغة العربية مع زميلك، أن يغير المكان وربما عربة الميترو، لقد تم «احتلال التخييل» فيه كلياً.. الصورة نفسها تم تصنيعها في أمريكا من خلال أفلام الكاو- بوي أو رعاة البقر، عن الهندي الأحمر، في اللاوعي الجمعي أصبحت كلمة «آباش» تعني التوحش، مع أنها في الأصل هي اسم لقبيلة من قبائل الهنود الحمر التي رفضت سلطة الرجل الأبيض، ودافعت عن ترابها، قبل تدميرها، لدرجة أن انتقلت الكلمة المرتبطة باسم قبيلة إلى نعت يعني الهمجيَّة والعنف، تزكي ذلك، الصورة النقيضة للرجل الأبيض الذي يبدو في هذه الأفلام سيد الحق (وهو المعتدي)، لا هدف له إلا نشر الخير و«تحضير» الهمج.

التخييل ههنا، ليس حرّاً فهو «مُحْتَل» كليا،ً والكتابة من خلاله مثلاً، هي في الجوهر استعادة لنظام الهيمنة، وحيث يكون التخييل مقيداً بمسبقات أيديولوجية أو غيرها، يخسر جوهره، لأنه سيشتغل وفق ما تم «تصنيعه» عليه، فهل أخطأ جورج أورويل يوم كتب روايته العظيمة «1984»؟