الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

انتخابات الجزائر.. تراجع الإسلام السياسي

حملت الانتخابات التشريعية المبكرة في الجزائر الكثير من خصوصيات الحالة العامة في هذا البلد الشقيق، لكنها حملت كذلك بعض السمات العربية العامة، التي نجدها في المنطقة العربية بكاملها من ليبيا والسودان ومصر إلى سوريا والعراق وصولاً إلى دول الخليج، وأهمها تمسك المواطن، أياً كان موقفه السياسي والفكري وبرغم مشاكله الحياتية بالدولة الوطنية والسعي نحو إصلاحها، لا نقضها وهدمها، كما يحلم بعض العدميين والفوضويين، وهذا يعني تراجع رهان الشارع والمواطن العربي عموماً على جماعات وأحزاب الإسلام السياسي.

كان رهان وتوقع بعض المحللين أن تلك الجماعات سوف تحصد المقاعد في الانتخابات الجزائرية، والحق أنها كانت أمنية أكثر منها توقع، ازدادت مع إعلان عدد من الأحزاب العلمانية واليسارية مقاطعة الانتخابات، هنا تصور كثير من المحللين أن الصناديق خلت لأنصار «التأخوُن»، وتوقعوا أننا قد نكون أمام مشهد يعيد ما جرى بالجزائر عام 1990، خاصة أن حزب جبهة التحرير يتحمل أمام الناخبين جانباً كبيراً من فاتورة السنوات الأخيرة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ويبدو أن التصور نفسه كان لدى تلك الجماعات، حتى إن حركة مجتمع السلم بالجزائر (حمس) سارعت لإعلان فوزها بالانتخابات قبل يومين من إعلان النتيجة الرسمية، في تكرار لما قام به الإخوان في مصر عام 2012، وهللت بعض دوائر الإعلام الغربي (الدولي) لإعلان حمس، لكن مرة أخرى يثبت أن المواطن العادي أعمق وأذكى من كثير من جهابذة التحليل، هذا المواطن ليس لديه استعداد لتكرار ما سبق، ولا وضع الوطن والشعب في اختيار بائس بين بقاء الدولة والوطن أو الفوضي العارمة والتوحش.

إن كل دعوات النقاء والتجرد وهمهمات المظلومية، التي صاحبت الإسلاميين سنوات الثمانينيات والتسعينيات تكشفت عن زيف وسراب، وثبت أنهم أكثر فساداً من أي فصيل وأشد عجزاً في الإدارة، فضلاً عما تميزوا به من نزوع نحو العنف والإرهاب، الذي يقود إلى تفسخ المجتمع وانهيار الدولة بالضرورة، أما في القضايا القومية الكبرى فقد تكشف الإسلاميون، وإن شئنا الدقة الإخوانجية، عن براغماتية وانتهازية شديدة، والنماذج أمامنا عديدة.


يسعدنا تراجع هذه الجماعات وإن كان لا يفاجئنا، فهم إلى زوال، كما جرى لأسلافهم في التاريخ الإسلامي من غلاة الفرق والنحل.


القضية الآن، أن نقدم بديلاً ديمقراطياً وعادلاً يحفظ للمواطن حقوقه ويحفظ للوطن سيادته، بديلاً يكافح الفساد ويحد من الاستبداد والتسلط، هذا ليس اختياراً فقط، لكنه أيضاً ضرورة.