الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

تونس.. إنقاذ الدولة أم النهضة؟

بعد أشهر من الانسداد السياسي في تونس، قدَّمت حركة النهضة مبادرة خجُولة إلى الرئيس قيس سعيّد، كانت عبارة عن لقاء جمع، الاثنين الماضي، القيادي النهضوي السَّابق لطفي زيتون مع سعيّد، غايته ترتيب لقاء مع زعيم الحركة راشد الغنوشي.

قد يبدو عادياً أن «يتوسط» سياسي من أجل تحريك المياه الراكدة، لكن المطلع على تفاصيل الأزمة يدركُ أن النهضة لم تعد تتحمّل، بدورها، وضع «لا غالب ولا مغلوب».

تزامن الانسداد السياسي مع أزمة اقتصادية واجتماعية وصحية عميقة، فرض على حركة النهضة أن تتحرك في كل اتجاه بحثاً عن حلّ يقيها ما قد يترتب عن انفجار اجتماعي لن يسعف أحداً من مآلاته، لكنه سيصوب كل شظاياه صوب الحركة التي تهيمن على الحكم منذ سنوات.


ما رشح من وساطة زيتون مع الرئيس، ومن اللقاء بين الغنوشي وسعيّد، الخميس، الذي وُصفَ بأنه يمكن أن يضع البلاد على سكة الانفراج، يشير إلى أن النهضة مُستعدة للتخلِّي عن رئيس الحكومة هشام المشيشي، رغم إصرار أغلب قياداتها على التشبث به واجهة تحكم من خلاله من وراء ستار.


لكن الجديد الذي وفره لقاء زيتون وسعيّد لم يحجب التحركات السابقة التي كانت ترنو إلى إجراء حوار وطني، هلل له الغنوشي باعتباره المدخل الوحيد لحل الأزمة التي تردت فيها البلاد.

ما يجمع بين الحوار الوطني وفق تصور النهضة، ووساطة زيتون، هو أن الحدثين يعبران عن كون النهضة تريد الحكم وتتملصُ من مسؤوليته، ولذلك اجتبى العقل السياسي للحركة حلاً يقوم على التنازل وإن كان بالتضحية بالمشيشي، وإجراء حوار شكلي يغير الشخوص دون مساس بالهندسة العامة للمشهد، ولذلك ترفض كل حديث عن تغيير النظام السياسي أو مراجعة هنات الدستور، وتتوجّسُ من مقترح إجراء انتخابات مبكرة ستؤدي إلى تراجعها، بعد أن أيقنت أن محصولها الانتخابي يقتصر على أنصارها ومنخرطيها.

دأبت النهضة على المرابطة في ربوة تتيح لها الحفاظ على الحكم والتملص مما يفرضه ذلك من مسؤولية، ومن المسافة الفاصلة بين الحكم ومسؤولية الحكم استطاعت اختراق كل هياكل الدولة. ولذلك فإن أيَّ حوار مع النهضة وفق شروطها لن يوفر أي حلٍّ للأزمة، بل سيمد طوق نجاة إلى الحركة التي تتقن الانحناء عند العواصف.

الحوار الذي من شأنه أن يفتح باب أمل أمام التونسيين هو الحوار الذي يشخص مظاهر التردي تشخيصاً دقيقاً ويحاسب كل من تسبب في صنع الأزمة، ودون ذلك تصبح كل المبادرات الراهنة مجرد إنقاذ للنهضة بدل إنقاذ البلاد.