الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

قمة «فايزر - سبوتنيك»

مرّت المدة الكافية لعدوى كوفيدـ19 من دون عدوى، ففي جنيف تصافح الرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين باليد، ثم جلسَا أربع ساعات كاملة من دون ارتداء الكمامة، رغم صِغر القاعة وغلق المكان، لقد جلس وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن هو الآخر مع وزير الخارجية الروسي سيرغى لافروف عدة ساعات من دون قناع الوجه، رغم أن المسافة بينهما لم تصل إلى متريْن.

لقد بدَا الأمر أشبه باستعراض لقوة اللقاح، والثقة في المناعة، وعدم القلق من أية مفاجآت للجائحة.

لا تعترف الولايات المتحدة باللقاح الروسي «سبوتينك»، ولكن الرئيس الأمريكي - شخصيًا - أعطى ثقته للرئيس الروسي الذي تعاطى اللقاح الذي لا تعترف به واشنطن.


إن دول الاتحاد الأوروبي باتت تطلب شهادات تعاطي اللقاح المعترف به، والذي ليس من بينه سبوتنيك، وذلك للحصول على تأشيرات الدخول الجديدة، لكن الرئيس فلاديمير بوتين دخل إلى سويسرا، ومعه عدد كبير من رجال إدارته، بينما هم جميعًا لم يتعاطوا أي لقاح تعترف به سويسرا أو الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمكن اعتباره انتصارًا سياسيًا للقاح الذي كان الأول زمنيًّا من حيث الإعلان عنه واعتماده في روسيا، ذلك أن سيّد البيت الأبيض وأركان إدارته لم يبدوا أي اعتراض على التعامل الآمن مع من تعاطوا لقاحًا لا يزال مرفوضًا في الغرب.


يمكن القول بأن القمة لم تكن فقط قمة السياسة والأمن العالميين، ولكنها كانت - على هامش ذلك - قمة «فايزر - سبوتنيك» على صعيد المضمون، فكان الملمح الأبرز للقمة «الأمريكية - الروسية» في جنيف هو انكسار الأيديولوجيا، وسطْوة البراغماتية، وربما كان قول الرئيس بايدن: «إن أجندتي ليست موجهة ضد روسيا، بل لصالح الأمريكيين» هي عنوان ذلك التحول الكبير.

لا يعني هذا انعدام الأيديولوجيا في مسارات القمة، بل يعني أنها كانت أشبه بقول ما يجب أن يقال، وحسب.

لقد تحدث الرئيس بايدن عن المعارض الروسي «أليكسي نافالني»، وقال الرئيس الأمريكي: «إن حقوق الإنسان ستكون دائمًا على الطاولة، هذه قيمنا، هذا هو الحمض النووي لنا»، لكن حديث الرئيس بايدن عن ذلك لم يتجاوز هذا التأكيد على الاستمرار في التأكيد، لكن المحاور الحقيقية في القمة ظلت واقعية، ومحددة، وغير ضاغطة.

بل إن ملفًا أساسيًا لدى واشنطن، وهو الاعتراض الأمريكي على الضمّ الروسي للقرم عام 2014، لم يجر الوقوف عنده طويلاً، وكان أكثر الحديث في هذا الملف حول الوجود العسكري الروسي في شرق أوكرانيا.

لقد اقتضت القمة البراغماتية أن يكون «الأمن الرقمي» هو أهم ملفات القمة، والذي أخذ من الاهتمام ما يفوق استئناف المفاوضات بشأن تعديل اتفاقية الانتشار النووي «ستارت - 3».

ويبدو أن عالم ما بعد كورونا سيكون أكثر صعوبة، لكنه أيضًا سيكون أقل أيديولوجية وأكثر واقعية.