السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«الأمير عبدالقادر».. وخصومة العرب

ذكَّرتني الحالة الجزائرية الرَّاهِنة، حيث الدفع بالمجتمع والدولة نحو خصومة مع التاريخ، بحالتنا العربية العامة، والتي تقوم على الهروب من الحاضر إلى الماضي، بحجّة أن الأقدمين هم من سطَّروا حياتنا الرّاهنة، فمثلاً: إذا عجزنا عن القيام بفعل سياسي ناضج يحقق أهداف دُوِلُنا، ويثبِّت وجودها من خلال جبهة وطنية قوية، ويدفعها نحو تأقلم وتكيف مع العصر، ويجعلها شريكاً فاعلاً عالميّاً أرجعنا ذلك إلى النقاش الذي دار في «سقيفة بني ساعدة».

وإذا شخَّصنا واقعنا العربي، وجاهرنا برفض الذل والهوان، ودعونا إلى وحدة ـ ولو على الحد الأدنى ـ انبرى في الساحات الإعلامية من يشق الجيوب ويلطم الخدود، وأعادنا إلى أيام «الفتنة الكبرى».

وإذا اجتهد المعاصرون في معرفة «مقاصد الشريعة» طبقاً لاحتياجات العصر، انقسمنا إلى فريقين، أحدهما: يستحضر الماضي بما فيه الجانب الدموي، والآخر يحارب ذلك الماضي، فيلهينا عن حاضرنا، حتى إذا ما عدنا لتدارك ما بقي منه نجده قد ولّى ليصبح ماضياً.


خصومة العرب مع التاريخ، تبدو جليّة هذه الأيام في الجزائر، بل إنها بلغت ذروتها لدرجة التشكيك في وطنية زعماء تاريخيين، أمثال الراحلين، الأمير عبدالقادر الجزائري، مؤسس الدولة الوطنية، وقائد المقاومة، والرئيسين: أحمد بن بله وهواري بومدين، وهذا يكشف حالة الضعف والفراغ سواء أكانت نابعة من سفاهة البعض، أو من تجييش لأطراف داخل المؤسسة الرسمية لأبعاد الجزائريين عن حاضرهم، وخاصة أنها تزامنت مع نشر خطاب كراهية ضد الدولة ممثلة في رئيسها عبدالمجيد تبون، خطاب حامل لمفردات سوقية، وفيها ما يجعلها خارج الخطاب السياسي المعارض.


على العموم، ها نحن نغرق من جديد في خصومة مع التاريخ، فبين تقديس المدنَّس، وتدنيس المقدس ضاعت أعمار أمة بأكملها، حتى إذا سألت عليَّة القوم فيها ـ فكراً ومذهباً وسياسة ـ عن الثوابت والمتغيرات من أجل تلمَّس طريق قد يصل بك إلى الحق، أجابوك بعبثية مقصودة: لن نقبل أن نظل رهائن الماضي»، ثم يتَّخذون سبيل الغّي في حرب على المنجز ـ بغض النظر عن أهميته من عدمها ـ منهج حياة يدارون به عجزهم عن مواجهة الحاضر، خاصة في بعده السياسي.

أولئك في غيّهم ينحازون إلى حروب وهمية، كلما خمدت نيرانها أشعلوها من جديد ابتغاء الفتنة أو تزييفاً للوعي، معتقدين أنهم يحسنون صنعاً، رافضين في الغالب الجنوح للسلم على المستويين الفكري والتاريخي، وهذا انتهى بهم وبنا إلى العيش خارج عصرنا، حيث حديث البشرية في رحلة التقدم والبحث العلمي والتنمية يعمق الحاضر، ويستحضر المستقبل، ويود أن يكون بينه وبين ماضيه المؤلم والدموي أمد بعيد.