الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الأردن وتحديث المنظومة السياسية

في الوقت الذي لا تزال فيه اللجنة الملَكية لتحديث المنظومة السياسية في الأردن تتلمس طريقها نحو القضايا والسقوف التي من الممكن أن تصل إليها النقاشات، وضع تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية الجميع أمام جدلية الهوية الوطنية، وتأثيرها في مشاريع الإصلاح السياسي الأردني.

التقرير صدر قبل نحو شهر من تشكيل اللجنة في مايو، ولكنه ولسبب ما أعيد إلى الواجهة مرة أخرى بعد تشكيل اللجنة، وتم إبراز جزئية أن الهويتين الأردنية والفلسطينية لاتزالان في حالة تطور ونمو، وهما معرضتان لتهديد التهميش، ومن الصعب إجراء إصلاح حقيقي إذا لم يحصل الفلسطينيون على حقهم في هوية مصونة.

التقرير لم يأت بجديد وقضية الهوية لم تغب عن النقاشات السياسية، خاصة تلك المتعلقة بمدنيّة الدولة والإصلاح السياسي، إلا أن ما أربك المشهد وخلط كافة الأوراق حالة التشنج التي شهدها الشارع الأردني، بعد مقال لأحد الكُتّاب تحدث فيه عن دور ياسر عرفات في معركة الكرامة، حيث تم الربط بين عضوية الكاتب في اللجنة التي من المفروض أن تناقش تعديلات قانونية ودستورية، وبين ما طرحه في مقاله حول فتح وحماس، الأمر الذي دفع باتجاه استقالته من اللجنة لتخفيف حالة الاحتقان. المقال يتحدث عن حركتين فلسطينيتين ولم يتناول معركة الكرامة سوى بجملة عابرة، إلا أنها كانت كفيلة بالضغط على العصب الحساس لقضية تمرض ولا تموت في المجتمع الأردني، ويتم استخدامها من قبل كل طرف من وقت لآخر، بما يعزز من وجهة نظره تجاه القضايا المطروحة على الساحة، خاصة فيما يتعلق بقانون الانتخاب وتوزيع مقاعد البرلمان على أساس ديموغرافي.


لجنة تحديث المنظومة السياسية وُضعت أمام تحدٍ حقيقي قبل أن تبدأ عملها، وهي تسير على حبل رفيع جداً، فهي مطالبة بتحديث القوانين بالشكل الذي يضمن مدنية الدولة ويعزز من دور الأحزاب السياسية وإجراء انتخابات برلمانية وفق قانون عصري، وفي ذات الوقت مطالبة بعدم تجاوز بعض الخطوط المتعلقة بالمكونات الاجتماعية والهوية الوطنية.


إشكالية الهوية في الشارع الأردني يرى البعض أنها مجرد شماعة تستخدم لامتصاص أكبر قدر ممكن من مطالبات الإصلاح، بيد أن الواقع يقول إنها قضية أعمق من ذلك بكثير، فلا يزال تيار عريض من كلا المكونَين الأردنيين لديه قناعات راسخة لا يمكن تغييرها بقانون انتخابي أو قانون للأحزاب، بل إن الأمر يحتاج إلى ما هو أعمق من ذلك، وببساطة من دون تنشئة سياسية تخرج الفرد من دائرة التفكير الفئوي إلى دائرة التفكير البرامجي والحزبي، ستبقى حساسية الهوية العائق الأول والأخير أمام أي إصلاح سياسي أردني.