الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الجزائر.. فترة التدمير الذاتي

طيلة 132 سنة من الاستعمار، فشلت فرنسا في زرع بذور الفتنة والتفرقة بين الجزائريين رغم آلتها الدعائية الضخمة، لكن خطاب الكراهية التي تعيشه الجزائر منذ بداية الحراك الشعبي يوم 22 فبراير 2019، قد يدمر دولة برمتها.

بدأ هذا الخطاب عندما رفعت «الراية الانفصالية» لمنطقة القبائل خلال المسيرات الشعبية، ما جعل رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح يتدخل ويمنع رفع أي راية غير الراية الوطنية التي استشهد من أجلها ملايين الشهداء.

منذ ذلك بدأ خطاب الكراهية ينتشر، واستغل أصحابه تكنولوجيا الاتصال لبث السموم، حيث تم اتهام «القبائل» أصحاب الراية الانفصالية بأنهم بقايا الاستعمار، وأنهم «زواف» (فئة من الناس ساندت فرنسا) وتم انتقاد نصب تمثال لـ«شيشناق» الذي يقال إنه قائد بربري انتصر على فرعون مصر، ومنذئذ يبدأ التأريخ الأمازيغي، وغيرها، وكرد فعل تم نصب تمثال آخر لكسيلة الذي قتل عقبة بن نافع.

ولمَّا وصل تبون إلى السلطة سن قانوناً يجرم خطاب الكراهية، لكن تطبيقه لم يكن بالحزم اللازم، حيث تمت محاكمة أحد مدراء الثقافة بعد انتقاده للشهيد عبان رمضان، لكن بعضهم انتقد حتى شعيرة الحج، ولم يلق نفس المعاملة، لذلك عاد الخطاب بأكثر حدة مما كان عليه.

ووصل الأمر بأحدهم ـ لا يملك أي مؤهل ـ وهو ابن الشهيد عميروش أن اتهم بالخيانة كلاً من الأمير عبدالقادر وهو أكثر المسلمين محاربة للاستعمار طيلة 17 سنة، ويوصف بأنه مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة باعتراف المؤرخين الأجانب، وحفيده الأمير خالد من رواد الحركة الوطنية التي حاربت الاستعمار سياسياً.

كما خوّن الرئيس الراحل هواري بومدين، وهو بالنسبة للجزائريين زعيم بدون منازع، وخوّن أيضاً مصالي الحاج الذي يُجْمع الجزائريون بأنه أب الحركة الوطنية، وأول من دعا لاستقلال الجزائر والمغرب العربي عام 1925 عندما أسس في باريس حزب نجم شمال أفريقيا.

نتيجة لذلك التهبت شبكات التواصل بخطاب الكراهية، والتف الأمازيغ حول آيت حمودة، لكن السلطة حسمت الأمر بتوقيفه وإحالته على العدالة.

إن «التخوين»، الذي يتجلى فيه خطاب الكراهية، لا يختلف عن «التكفير» الذي انتهجه الإسلاميون في التسعينيات، إلى درجة إنشاء جماعة «التكفير والهجرة»، وقد يختلف الناس في كل أمور الدنيا، لكن لا أحد يسمح لك بتخوينه أو تكفيره، وإذا لم يتم التعامل بحسم مع كليهما، فإن الدولة ستتدمر ذاتياً، فذلك كالسوس الذي ينخر الجسم.