الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

العقلانية وتغيير البنية المفاهيمية

بالنظر إلى القضية السياسية على أنها ميدان للصراع والنضال من أجل احتكار أكبر قدر ممكن من القوة المادية والرمزية، أي اعتبار الشر بمعناه الأوسع كشرط متأصل في عالم السياسة، إلا أنه فتح الأفق للتفكير الجاد في الشؤون السياسية، وتشخيص عللها بدلاً من الاكتفاء بإطار العقلانية الأخلاقية والروحية المجردة.

وإذا كان العقل في جوهره كونياً في الهوية والجذور، وإنسانياً في سماته وآفاقه، فإن العقلانية مختلفة، إذ تتضاعف بتعدد الثقافات والأمم، ومن ثم فإن العقلانية السودانية اليوم هي حقيقة الوجود الذي يحمل في حد ذاته تناقضات الظروف المحيطة به، الشيء الذي شغل فكره منذ نهاية القرن الماضي وأدى إلى عدة محاولات للتغلب على واقعه.

العقلانية لم تكتسب الشرعية كمفهوم على المستوى الاجتماعي والسياسي في الفكر السوداني، ولم تكن امتداداً أو استمراراً لأفكار أخرى، بل كان أحد السوابق المعرفية التي فرضت نفسها في ثنايا الجوهر، لأن ما يبرر غياب العقلانية بقدرة العقل على التفسير كممارسة قائمة على الإيمان المعقول والعبثي هو الظهور المفاجئ لثورة ديسمبر في المشهد.


وهكذا نجد أن العقلانية في فكر النهضة السوداني المعاصر مشروع ضائع في الخطاب المغلق والخطاب الليبرالي وفق المقدمات والمفاهيم المستخدمة في خطاب النهضة تيارين رئيسيين سلفي والليبرالي، كما اتسمت بهما في مواجهة الموقف السوداني المتأرجح بين الأفريقية والعربية التي تردد صداها في «السودانوية» في ظل المعطيات الحالية مع حراك 30 يونيو المرتقب.


لا يزال الفكر غير قادر على مواجهة اللاعقلانية السائدة في النهج السياسي السوداني، وإرساء تنظير عميق لعملية مقترحة لعقلنة الواقع بعد ثورة ديسمبر، أو على الأقل لعقلنة جوانب الممارسة الواقعية، ولا تزال تعاني من صدمة التحولات الكبرى التي تقع أمام أعينها، فهي لا تزال تتخذ مواقف تحددها مرجعية سابقة تقليدية بدلاً من أن تكون منطقاً واضحاً يقوم على الاستبدال والتجربة.

إن الاكتفاء بتأكيد الإحسان البشري والمطالبة بصقل حسه الأخلاقي لا يوجد بدون ظهور خلافات عنيفة على السلطة، عليه تكمن العقلانية في استقلالية المؤسسة القضائية مع الرهان على تجديد النخب، ما يسمح بضخ دماء جديدة في شرايين النظام السياسي.

فالعقل هو مفتاح الحداثة والعقلانية هي الطريق إلى التحديث، لكن الفكر السوداني في الغالب تميز بعقلانية متخلفة تتطور نحو الماضي والتراث والانغماس في التاريخ، بدلاً من كسر البنية المفاهيميَّة السائدة، وترجمة الثورة إلى ثمار.