الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

عالم ما بعد الغرب

قبل قرنين من الزمان كان مركز العالم في الشرق؛ حيث القوة الاقتصادية في الصين والهند، ومع انطلاق الثورة الصناعية وحركة الاستعمار، تحول المركز إلى الغرب الأوروبي، وبعد الحرب العالمية الثانية انتقل إلى العالم الجديد، إلى أمريكا وارثة الإمبراطورية البريطانية، وكما كان الانتقال إلى عالم الغرب اقتصادياً، فإن الانتقال إلى عالم ما بعد الغرب حقيقة صنعها الاقتصاد قبل أن تقررها السياسة، ترسخت في الواقع قبل أن تنطق بها ألسنة السياسيين.

ففي 18 فبراير 2017 وقف سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي مخاطباً قادة العالم الغربي في الاجتماع الثالث والخمسين لمؤتمر الأمن العالمي المنعقد في ميونخ بألمانيا قائلاً: «إنه يأمل أن القادة الذين يشعرون بتحمل المسؤولية سوف يسعون لإنشاء نظام دولي عادل، وهذا النظام العادل لا بد أن يكون نظام ما بعد العالم الغربي Post-West world order» أي نظاماً تعددياً، يخرج من هيمنة العالم الغربي.

ولكي نعرف بدقة حركة مراكز الثقل الاقتصادي في العالم؛ فلننظر إلى الاقتصادات الأقوى المتوقعة عام 2050، سنجد أن الاقتصاد الأول في ذلك التاريخ سيكون الاقتصاد الصيني بناتج محلي إجمالي 58 تريليون دولار، يليه الهندي 44 تريليون دولار، ثم أمريكا 34 تريليون دولار، فإندونيسيا 10 تريليونات دولار، وبعد ذلك تأتي كل من البرازيل، ثم روسيا 7 تريليونات دولار، ثم المكسيك واليابان وألمانيا 6 تريليونات دولار، وبريطانيا 5 ترليونات دولار، وبعد ذلك تأتي تركيا وفرنسا، والسعودية، ونيجيريا، ومصر.


هذه الأرقام تقول لنا إنه من ضمن أقوى عشر دول اقتصادياً بإجمالي 183 تريليون دولار؛ هناك 7 دول خارج العالم الغربي بإجمالي 138 تريليون دولار، و3 دول في العالم الغربي بإجمالي 45 تريليون دولار، أي إن نصيب الدول الغربية لن يتجاوز ربع الاقتصادات العالمية الكبرى.


هذه الحقائق بدأت تنعكس في الواقع الآن، على مستوى التحالفات الدولية، وإعادة ترتيب مناطق مختلفة من العالم، ومنها العالم العربي، وبدأت إرهاصات تنفيذها في منطقة الشرق الأوسط، وشرق أوروبا، وشرق آسيا، وبدأت كل من روسيا والصين تتحركان بطريقة ثابتة وهادئة، ولكنها صارمة نحو تنفيذ هذا الهدف البعيد، وهو الانتقال إلى عالم ما بعد الغرب.

هنا فقط يمكن أن يظهر نظام دولي يقوم على التعددية الثقافية والحضارية والدينية، ولا تكون فيه مرجعية حضارية واحدة تحدد منظومة القيم الكونية، وتحاكم جميع البشر طبقاً لتلك المنظومة التي لم يشتركوا في صناعتها.