السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«تشريع» ضرب المرأة

كان مشهداً صادماً التقطته الكاميرات وبثته للعالم كله، نائب برلماني يتوجه لزميلة برلمانية، ورئيسة حزب، ثم يصفعها على وجهها ويركلها برجله.

وجه الصدمة الأكبر، ليس في المشهد العنيف الذي يتنافى مع جميع القيم الإنسانية والأعراف الإنسانية والثقافة، بل إن هذا الحدث (المروع) وقع في تونس، واحدة من أهم معاقل الحداثة العربية وأعرقها منذ نهايات القرن الثامن عشر، وبدايات القرن العشرين.. تونس التي توصف بأنها انعكاس للثقافة الفرنسية المُعرّبة في الوطن العربي.

ليس مُهماً الانتماء السياسي والأيديولوجي لكلا النائبين (المعتدِي، والمعتدَى عليها)، برغم ما تحمله دلالات الانتماءات الثقافية والسياسية، وليس مهماً، أيضاً، الموضوع السياسي الذي تسبب في حدوث هذا المشهد، ولكن المهم هو أن يقع حادث اعتداء على امرأة برلمانية، ورئيسة حزب تحت قبة مؤسسة معنيّة بصناعة التشريعات وتقنينها، وبحضور رئيس البرلمان نفسه، راشد الغنوشي، ووزيرة المرأة في الحكومة التي يسيطر عليها الإخوان وحلفاؤهم!، ولم تنتفض الكتل السياسية في البرلمان التي حضرت هذا المشهد، ولم تُعلق جلسة اليوم الذي وقع فيه هذا الحدث، بل انتقل البرلمانيون إلى غرفة أخرى وأكملوا الجلسة بسبب الفوضى والاحتجاجات التي أثارها النواب الغاضبون من حادثة الصفع، ولم يمنع النائب المعتدي من حضور باقي الجلسات أو يوجه له خطاب لوم، ولم يحول إلى التحقيق، أو يهدد برفع الحصانة عنه، لقد مرّ اليوم البرلماني بصورة عادية، وكأن حدثاً جللاً لم يقع.


تجسيد العنف ضد المرأة تحت قبة البرلمان ليس بالقضية السهلة التي يمكن تمريرها، حتى وإن كانت في سياق جدال سياسي وخصومة حزبية لها خلفيَّاتها، إنه بمثابة (تشريع) لثقافة العنف ضد المرأة، (وتقنينه)، ثم (تمريره) للمجتمع، وهو، كذلك، مؤشر على صعود التصورات الانتقاصية للمرأة ووصولها إلى منصة صنع السياسات والتشريعات، ما يعني النكوص والردة عن المسار التقدمي الذي حاولت دولنا انتهاجه بعد سنوات الاستقلال، التي قطعت فيه دول عديدة، مثل تونس، أشواطاً بعيدة ومتفردة عن باقي الدول.


دولتان عربيتان تمكنت المرأة فيهما من تحقيق مراتب عالية من المساواة مع الرجل، بل وتجاوزه أحياناً بالكفاءة والعلم، العراق وتونس، كانت تلك الدولتان تحتفيان بإنجازهما الحضاري في تمكين المرأة، منذ ثمانينات القرن الماضي، في مختلف المجالات الاجتماعية والعلمية والسياسية والعسكرية، وبعد الصيحات والدعوات التي حملت شعار «إسقاط النظام»، كانت المرأة الفريسة الأولى لحالة الفوضى العامة، وعادت النساء، هناك، يدافعن عن حقهن البدائي الأول، وهو الشعور بالأمان في الوطن.