الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

عالم مُعولم.. وأزمات واحدة

لقد جعلت العولمة العالم اليوم، على مستوى من الترابط والتشابك والاعتمادية المتبادلة، بحيث فقدت الدول القدرة فيه على مواجهة الأزمات العالمية أوالداخلية منفردة، وذلك لأسباب منها تسليمها بعض أدوارها ووظائفها للخارج إمّا طواعية أو إجباراً، ونسجها للروابط الكثيفة معه، والملاحظ كذلك، كثرة هذه الأزمات وعلى مستويات مختلفة، فقد أسهمت العولمة بحدوث بعضها من جهة، ونشرها ونقلها بشكل متسارع للعالم كله من جهة أخرى، إمّا من الداخل إلى الخارج، أو من العالمي إلى المحلي، وذلك عن طريق أدواتها وأطرافها ومؤسساتها وميكانيزماتها.

إنّ ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، كان أكبر دليل على ذلك، فقد بدأت مع إفلاس بنك «ليمان براذرز الأمريكي»، لتتدحرج بعد ذلك وتطال كل دول العالم ومجالاته ونشاطاته، مسبِّبة خسارات فادحة للجميع، والأمر نفسه ينطبق على كثير من أزمات القطاعات الأخرى كالأسواق والبورصات والعملات والتضخم والإفلاسات والخصخصة وغيرها، خاصة بعد ظهور أربع آليات مختلفة في الاقتصاد العالمي هي: التدويل والثورة التكنولوجية وإلغاء الأقلمة والتحرير، كما تقول بذلك ناجير وودز أستاذة الحوكمة الاقتصادية العالمية في جامعة أوكسفورد، عدا أنّ العولمة وكنتيجة لذلك، ساعدت في انتشار الفقر والجوع والبطالة والهجرات والصراعات والدعوات الانفصالية..إلخ.

لقد أثبتت حادثة جنوح الباخرة «إيفرغيفن» في قناة السويس، أنّ هناك نتائج كارثية قد تترتب على عولمة المجالات في العالم، فقد أشار الكاتب السياسي في صحيفة نيويورك تايمز بيتر غودمان إلى أنّ ما حدث يُعتبر جزءاً من أزمة العولمة نفسها؛ حيث اعتماد العالم المُفرط على سلاسل التوريد، وغني عن القول إنّ سرعة انتشار فيروس كورونا أو غيره من الفيروسات والأمراض حصلت كذلك في ظل عالم مفتوح ومتشابك.


إنّ العالم اليوم أصبح بسبب العولمة متداخلاً بشكل كبير، خاصة في ضوء إلغائها للحدود والسياسات الحمائية والحواجز الجمركية، وتدويلها للسلع والخدمات والتمويل والإنتاج، فأيّ حدث أو تغيير أو إجراء أو قرار عالمي، يؤثّر مباشرة في وحداته المختلفة، فارتفاع أسعار السلع والمواد أو تأخر وصولها مثلاً، أو تعطل كابلات الإنترنت والتوقف عن الخدمة، أو انتشار القرصنة الإلكترونية واختراقاتها المختلفة وغيرها، جعلت الخدمات في كثير من الدول متوقفة على ذلك، وأصابتها بالشلل أحياناً.


وعليه، فعلى دول العالم أن تدرك، أنّها لن تكون بمأمن من تداعيات وتأثيرات أيّة أزمة عالمية مهما كان نوعها، وقد تصل إليها في نفس وقت حدوثها أحياناً، خاصة بعد أن أصبح من العسير عليها الانفكاك أو الانعزال عن العالم، بسبب الانخراط العميق فيه، والذي تسبّبت به العولمة.