الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

وَهْمٌ.. غير قابل للفهْمِ

نردد دائماً مصطلحات سياسية، وأنا عن نفسي لا أفهم معناها ومنها: المجتمع الدولي، والرأي العام العالمي، والضمير العالمي، والمعارضة المسلحة، والدول المحبة.

وكلها مصطلحات افتراضية، لا ظل لها في الواقع، فالمجتمع الدولي الذي نعول عليه كثيراً ونخاطبه أكثر لا أحد يعرف له حدوداً ولا وجوداً، ومع ذلك يراهن عليه كثيرون بأنه سيتفهم قضاياهم ويقف معهم وينصرهم ولم يحدث مرة واحدة أن استجاب هذا الكيان الوهمي، وتحرك لمناصرة أصحاب قضية.

وإذا اعتبرنا أن المقصود بالمجتمع الدولي هي الأمم المتحدة، فإن الأمر يصبح أشد سوءاً فالمتغطي بالمجتمع الدولي والأمم المتحدة عريان، وأما الرأي العام العالمي، فهو كيان أكثر وهماً، فلا يوجد رأي عام يمكن قياس اتجاهه مع أو ضد قضية ما، بل إن الرأي العام العربي بالتحديد لا وجود له ولا يمكن قياسه ولا يمكن بناء القرارات على أساسه فهو رأي عام انطباعي، انفعالي، متقلب، وما يرفضه اليوم يقبله غداً، وكذلك الضمير العالمي والدول المحبة للسلام!


والخلاصة أن هذه الأسماء الافتراضية الوهمية لا يلوكها كثيراً إلا العاجزون عن الفعل والقرار، فقد تحولت تلك الأسماء والمصطلحات إلى حوائط مبكى للعجزة، حتى صارت هذه الأسماء أصناماً لا تسمع ولا تجيب رغم القرابين الكثيرة التي يقدمها لها العجزة.


وأما المصطلح المضحك ـ المبكي الذي لا وجود له إلا في العالم العربي فهو مصطلح المعارضة المسلحة، سمعنا وقرأنا هذا المصطلح في الدول التي ضربها الخريف العربي مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، مع أن خريف العراق بدأ قبل الدول الأخرى بكثير ولا أكاد أفهم معنى المعارضة المسلحة فهو مصطلح يجمع بين كلمتين متضادتين، فالمعارضة مصطلح سياسي والمسلحة مصطلح عسكري، والمعارضة لا يمكن أن تكون مسلحة والمسلحة لا يمكن أن تكون معارضة، والمصطلح أطلقه المتعاطفون مع الإرهاب واستبدلوا المعارضة بالإرهاب من قبيل تجميل الإرهاب والتطرف، وكل القوى التي تناصب نظاماً ما العداء، تسمي الخارجين عليه معارضة مسلحة، والأكثر دهشة وإثارة للعجب مصطلح فصائل المعارضة، فالمفروض أن هذه الفصائل تعارض نظاماً واحداً.. فلماذا هي فصائل يعادي بعضها بعضاً، وتدور بينها معارك طاحنة تسيل فيها الدماء أنهاراً؟

والحكاية أن هذه الفصائل تمارس لعبتها القذرة بالوكالة عن قوى خارجية، وكل فصيل أو عدة فصائل موظفة لدى قوة من هذه القوى، ولا يمكن لأحد أن يقنعني بأن الأوطان لها أي وجود في أجندات هذه الفصائل، وفصل الخطاب أننا في كل الأحوال أمام وهم غير قابل للفهم.