الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

واشنطن وفشل تدخلاتها العسكرية

في الوقت الذي تقترب فيه عملية انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان من نهايتها، تواصل طالبان تمددها وسيطرتها على المقاطعات والولايات المختلفة، في مسار يهدف إلى تطويق المدن الكبرى وصولاً إلى العاصمة كابول، الأمر الذي يفتح الطريق أمام عودة الحرب الأهلية.

مسار الانسحاب الأمريكي وتمدد طالبان يسيران بالتوازي بشكل يسرع من سقوط أفغانستان، وما يحدث على الأرض فعلاً يظهر أن الاستثمار الأمني والعسكري الأمريكي فيها لم يثبت جدواه على أرض الواقع، إذ إن العديد من القوات الحكومية التي دربتها وسلحتها الولايات المتحدة انسحبت أمام مقاتلي طالبان من دون قتال في الكثير من الأحيان.

السيناريو الأقرب اليوم والأكثر منطقية، هو عدم قدرة القوات الحكومية على التصدي لطالبان في حال انتقلت الحركة إلى مرحلة السيطرة على المدن الكبرى، وهذا ما يعزز فرضية الحرب الأهلية التي حذر الجنرال سكوت ميلر قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان منها.


هدف التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان، كان منذ البداية الإطاحة بحركة طالبان باعتبارها داعماً لتنظيم القاعدة الإرهابي، وبعد تحقيق هذا الهدف في 2001 تعود الحركة اليوم للسيطرة المتدرجة على المناطق الأفغانية، في مؤشر على فشل الاستراتيجية الأمريكية التي ستتركها واشنطن فريسة للحرب الأهلية والتدخلات الخارجية خاصة الصينية والروسية والباكستانية والهندية، بحيث تعود كابول ساحة صراع دولي مع كل ما يحمله ذلك من تعقيد للوضع المعقد أصلاً.


النتائج العكسية للتدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان ليست الأولى، فما حدث في العراق قريب بشكل أو بآخر مما يحدث الآن في كابول، إذ لم تستطع واشنطن دعم حكومة مركزيَّة قوية قادرة على بسط نفوذها وسيطرتها على كامل تراب الدولة، ففي كلا البلدين هناك مجموعات مسلحة تضاهي الدولة تسليحاً، وفي الحالتين هناك أجندات لجهات خارجية تتصارع وتحاول كل منها فرض نفسها، عبر فصيل أو حركات تابعة لها في الداخل.

واشنطن تثبت اليوم أن الحلول العسكرية التي تبنتها زادت الطين بلة، وبدلاً من مساعدة الدول التي تدخلت فيها عقّدت أوضاعها بشكل أكبر، وعززت من نفوذ الجماعات الأخرى وصراعاتها، وتركتها فريسة لصراعات داخلية ضحيتها الأولى والأخيرة المواطن العادي.. باختصار، فإن التدخلات العسكرية الخارجية لا يمكن أن تنتج عنها حكومات قوية قادرة على فرض نفوذها وسيطرتها، والشواهد كثيرة وعديدة على ضعف وهشاشة الحكومات المدعومة بقوة السلاح الخارجي، فما أن ترفع اليد الوصية عنها حتى تتهاوى بسرعة غير متوقعة.