الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

صفع وركل.. أم تشريع ورقابة؟

لا بد أن كل من شاهد ما حدث الأسبوع الماضي داخل البرلمان التونسي قد تحسَّر ألماً مما حدث، حيث كانت النائبة عبير موسي تلقي كلمتها وإذا بزميل لها يغادر موقعه ويتجه نحوها بهدوء بالغ ويقوم بصفعها، ثم عاد إلى مقعده مزهواً ومنتشياً.

رئيس الجلسة، فيما يبدو، اعتبر الأمر عادياً، فواصل الجلسة ولم يتم اتِّخاذ أي إجراء تأديبي بحق النائب ولا حتى مساءلة له على ما اقترفه، ولا صدر اعتذار عما جرى لحفظ ماء الوجه أمام الرأي العام.

النائبة موسي تترأس حزباً، أي ليست نائبة عادية، وحدث هذا داخل البرلمان فماذا عسى أن يقع خارجه؟ وماذا يمكن أن يقع للمواطنة البسيطة والعادية بالشارع؟


عشرات الأسئلة تطرح، ونعرف أن الصوت المخالف لدى مدرسة «السمع والطاعة» يرمى صاحبه بالكفر ويتهم بالبهتان، فما بالنا إذا كان هذا الصوت يصدر عن سيدة؟.. هنا يفقدون القدرة على احتمالها أو تقبل وجودها.


السيدة موسي جاءت إلى مقعدها بالانتخاب الحر والمباشر، كما جاؤوا هم، هي صوت مختلف ومغاير لما يحاولون فرضه على الناس، وتصر على أن تعلن رأيها وتحدد موقفها باستمرار، وبدلاً من الجدل معها والإقرار بحقها في الاختلاف، اختاروا الصفع والركل أسلوباً لإسكاتها، ما جرى يسقط كل مزاعمهم عن احترام المرأة كإنسان لديه كافة الحقوق المدنية، وأولها حق الاختلاف والتعبير عن هذا الاختلاف.

صفعة واحدة أسقطت كل ادعاءاتهم حول التمسك بالديمقراطية واحترام الإنسان.. المحزن أن الواقعة جرت في تونس، التي تمتلك تجربة طويلة وعريقة في احترام المرأة وإقرار الكثير من حقوقها في عهد الرئيس بورقيبة، الذي يوصم الآن بالديكتاتورية والقمع، ولم يتغير الأمر كثيراً بعد بورقيبة بالنسبة للمرأة، مما وضع تونس في موقع ريادي عربي في هذا الجانب، ثم يحدث هذا الارتداد في عهد ما بعد «الثورة».

البرلمان للتشريع والرقابة على أداء الحكومات وليس للصفع والركل، حتى في أقسام البوليس ومراكز الشرطة الصفع مدان والركل مرفوض، والواقعة داخل البرلمان التونسي، تعبر عن مسلك تيار وأيديولوجيا تحتقر المرأة وتصر على إهانتها، حتى لو جرى ذلك بطريقة ملساء أو خشنة كالصفع والركل.. تيار قائم في محيطنا العربي كله ولكن بدرجات متفاوتة من بلد لبلد آخر.