الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

التكنوقراطيون.. والمتحزّبون

هناك أنظمة حاكمة تفتخر أنها ديمقراطية، فهي تتمتع بتعددية حزبية، وتنظم انتخابات باستمرار تشارك فيها مختلف الحساسيات الحزبية لاختيار من يحكم البلاد ومن يشرّع لها، وتعطي للأحزاب السياسية هامشاً من الحرية للتعبير عن الرأي والقيام بدور السلطة المضادة كما تقتضيه الديمقراطية.

لقد أصبحت التعددية الحزبية من مقاييس الديمقراطية، وللأحزاب يعود الفضل في الانتقال بالنقاش من العنف إلى الأفكار والبرامج، ولها يعود الفضل في توفر الاهتمام السياسي لدى المواطنين، وتعتبر خزَّاناً للأفكار والرجال القادرين على تولّي أمور السلطة، وغيرها من الفضائل التي عدَّدها المنظّرون الأكاديميون.

وبالتالي فإن الأحزاب ليست عيباً، والانتماء إليها ليس جريمة، فلماذا إذن، عندما يتعلق الأمر بتشكيل الحكومات واختيار القيادات التي تحكم، يتم اللجوء أو الاستنجاد بمن يسمون «تكنوقراط» أي «التقنيون» أو الإداريون الذين ليسوا أهلاً للسياسة، بل لأمور أخرى، فيعيّنون وزراء ورؤساء حكومات، ويقولون بافتخار إنهم «تكنوقراطيون»، ويطلق العنان لوسائل الإعلام لتسويقهم لدى الرأي العام.

وعندما يفشلون في تسيير شؤون العامة، يتم استبدالهم بتكنوقراطيين آخرين، وهكذا، يأتون ويذهبون، بدون حساب من طرف المواطنين.

في حين عندما يحكم حزب معين، فإن المواطنين يحاسبونه على فشله، فيصوتون لغيره في الانتخابات المقبلة، أو يجددون له في حالة نجاحه، إذن الأصل أن يحكم السياسي، بينما يكون التكنوقراطي عوناً له أو منفذاً للسياسيات، ومحللاً للملفات.

فالدول كلها تعيش أزمات سياسية متجددة، بحاجة لرجال سياسيين، وتحت هذا العنوان الكبير، تعرف البلدان أزمات مختلفة مثل أزمة المياه، أزمة الجفاف، أزمة البطالة، أزمة التعليم وغيرها.

ثم ما جدوى اعتماد الأحزاب وتنظيم الانتخابات، إذا لم يكن الهدف الأساسي للحزب هو الوصول إلى السلطة، والانتخابات هي آلية التداول على الحكم بين الأحزاب؟

وإذا كان الحزب جريمة، أو أن التكنوقراطيين هم أفضل من السياسيين أو المتحزبين، فلماذا معظم الدول الديمقراطية التي استوردنا منها الفكر التعددي تحكمها الأحزاب؟ فالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً يتداول على الحكم فيها حزبان، لا يحكمان أمريكا فقط بل العالم، ويستعين السياسيون فيها ببعض التكنوقراط في التسيير.

ومعظم الدول الأوروبية مهما كان نظام الحكم فيها، يسيرها السياسيون عن طريق الأحزاب التي تنافست بالبرامج والأفكار، واختارها المواطنون عن طريق الانتخابات، مثل: ألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا وإسبانيا وغيرها.

حتى الأنظمة ذات الحزب الواحد، يحكمها السياسيون، الذين يتربعون على هرم السلطة، وتتم الاستعانة بالتقنيين لتفكيك شيفرات المشكلات والأزمات وتوفير الحلول والاقتراحات.