الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

قصور العقل التشريعي: المرأة في الواجهة

مبكِّراً، ومنذ عام 1959 كان العراق متقدماً وحضارياً فيما يتعلق بالنظر إلى دور المرأة ومكانتها في المجتمع، فجاء قانون الأحوال المدنية رقم 188 منصفاً في علاقة المرأة مع أطفالها، ومنحها حق حضانتهم وتربيتهم.

وبقي هذا القانون يمثل المنطقة الرخوة، التي يتسلل منها العقل المتزمت الظلامي، والذي يهدد بنية العلاقة العاطفية والإنسانية للمجتمع بكامله، ذلك أن الرغبة في تشريع مخالف لتلك الإرادة الحضارية، لم تأتِ من أجل منح الرجل الهيمنة والسطوة ومساحة الابتزاز التامة في نظام الأسرة فحسب، بل يأتي من ثقافة شمولية تستهين بالنساء لتعيدهن إلى العصور التي كان ينظر إلى أهليتهن حتى في أبسط الواجبات الطبيعية نظرة دونية وضيعة، تستخف بعقولهن وقدرتهن في المساواة في فرص الحياة.

ويجري ذلك وسط خطاب شامل من التجهيل، وإشاعة الأمية والتخلف في كل مناحي الحياة، تشكل فيه النساء واجهة لكل الممارسات النابعة من قصور في العقل وقدرته على العيش في عالم حديث متطور، تقود فيه المرأة دولاً ناجحة، وتتولى مسؤوليات عظيمة، كانت فيما مضى حكرًا على مجتمع الرجال، ولكنها في الأعراف المتخلفة لا تستطيع حضانة أطفالها وتربيتهم، وهذه ليست معركة النساء وحدهن.. إنها معركة النخب المدنية والثقافية التي تتطلع نحو مستقبل لا مكان فيه لإذلال المرأة.


فإذا أردت أن تعرف المجتمع الصحي، المنسجم مع ذاته، والذي يتنفس هواء الحداثة، فتمعّن نظرة هذا المجتمع إلى دور المرأة في تقدمه وريادته، أما مجتمعات "زواج القاصرات" و"حرمان الأم من مسؤولية الحضانة"، وترديد النغمة النشاز "مكانك في المطبخ" فهذه مجتمعات مريضة لا يعيش فيها حتى الرجل دون شعور بالنقص .


الدفاع عن المادة 57 من قانون الأحوال المدنية في العراق ليس دفاعاً عن قانون مضى عليه أكثر من 60 سنة، بل هو دفاع عن المستقبل، ومحاولة للخروج من العقل القاصر نحو العالم الذي ننتمي إليه، ونرغب أن نعيش فيه بكل كرامة.