الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

سوريا.. وأفق الحوار الداخلي

المتابعُ للملف السوري وتطوراته يدركُ أنّ أبرز ما تمخض عنه الصراع يتمثل بانقسام البلاد إلى مناطق نفوذٍ رئيسية في الشمال والشمال الشرقي والجنوب والوسط، وضع قائم على الهدوء الحذر فيما عدا الوضع المحتقن بين القوات الحكومية، وفصائل المعارضة في الشمال.

وفي ظلّ هذا الواقع المفروض المتزامن مع أزمة اقتصادية حادَّة، إلى جانب انهيار البُنى التحتية وفقدان المقومات الأساسية للحياة والشحّ في الموارد وحتى رغيف الخبز، أصبح الحوار الداخلي هو الملاذ الآمن والفرصة الأخيرة لإنقاذ ما بقي من البلاد.

ولعلّ أبرز ما في هذا الإطار هو الدعوات الروسية على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أيام - على هامش لقائه مع وزير الخارجية البحريني في موسكو - لقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على مناطق شرق الفرات للحوار مع الحكومة في دمشق؛ داعياً الطرفين إلى الانطلاق من الوقائع المفروضة لا الأحلام بعيدة المنال، وقد لاقت هذه الدعوات صدًى عند «قسد» التي رحبت بالدعوة، معربة عن استعدادها للحوار مع دمشق.


ولكن تكمن صعوبة هذا الحوار في تعنت الأطراف المعنية وعدم استعدادها لمتطلباته، وهو ما يؤدي كل مرةٍ إلى تعثره، أما المطلوب اليوم من الحكومة السورية فهو أنْ تنطلق من إدراكها بأنّ الوضع المتأزم يقضي بالحوار البنّاء لصياغة سوريا حديثة، وإنقاذ ما بقي من البلاد قبل الانحدار إلى الأسوأ.


والمطلوب من الأكراد التعامل بعين الواقع، لا سيما أنّ التحالف مع الولايات المتحدة لا يعني بالضرورة أنْ يكون عائقاً للحوار؛ فالعديد من الحوارات بين الطرفين جرت سابقاً دون اعتراضٍ من «واشنطن»، ثم إنّ الولايات المتحدة بثقلها الدولي وتشابك مصالحها العالمية ليست حليفاً دائماً، وما حدث في أفغانستان وانسحابها منها وترك الحكومة الأفغانية تحت ضربات طالبان ليس ببعيد.

إنّ أهميَّة هذه الخطوة تتمثل في أنّ الحوار الذي يفضي بنتائج ملموسة على الأرض بين الجانبين، من شأنه أنْ يقدّمَ نموذجاً للحل السوري القادر على استيعاب متطلبات المرحلة؛ بما يفتح الأفق ويشجع الجميع على الساحة للانخراط في هذا النوع من الحلول القائمة على الحوار الداخلي؛ الأمر الذي سيجنب البلاد الوصفات الخارجية الجاهزة المبنيَّة على مراعاة مصالح اللاعبين الدوليين وتجاهل المصالح الوطنية السورية.