الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

روسيا وإحياء مآثر بريماكوف

شهدت موسكو شهر مايو للمرة الأولى تنظيم مؤتمر مفتوح شارك فيه لفيف من علماء السياسة الروس والأجانب تحت عنوان «مطالعات في فكر بريماكوف»، كان مخصصاً لإحياء ذكرى رجل الدولة الروسي البارز يفغيني بريماكوف (1929 ـ 2015)، وهو الاقتصادي البارز والمستشرق ذي الخلفية التعليمية العربية، الذي شغل مناصب عليا منها وزير الخارجية ورئيس الوزراء ومدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية.

وكان لا بدّ لهذه المطالعات أن تكون ذات صلة وثيقة بالتراث الفكري الثري لرجل الدولة العظيم، وخلال تولّيه لمنصب وزير خارجية الاتحاد الروسي، تم وضع المبادئ والأسس التي تقوم عليها السياسة الخارجية المعاصرة للدولة، وكان ضالعاً في تحديد الأطر المتعلقة بمفاهيم الاستقلال، والبراغماتية السياسية، والنهج السياسي متعدد الاتجاهات، واحترام القانون الدولي والانفتاح على أيّ جهة أو دولة تعبر عن الرغبة الصادقة في التعاون على أساس المساواة والاحترام المتبادل.

وكان للتعاليم والمبادئ التي وضعها بريماكوف أن تسهم في استقرار السياسة الخارجية لروسيا، وتدعم قدرتها على التنبؤ بالأحداث والتطورات اللاحقة، وتكتسي هذه الإنجازات أهمية كبيرة في هذه الظروف العامرة بالتناقض التي يمر بها النظام العالمي الذي يعاني من حالة متفاقمة من الاضطراب وعدم الاستقرار، وعملاً بالحكمة الصينية التي تقول: «لا بدّ للحظة الراهنة أن تحمل فرصاً كبيرة»، فلقد كان من المهم تسخير هذه المبادئ في تعزيز أواصر التعاون المثمر والبنّاء بين جميع الأمم والشعوب.


وخلال كلمة ألقاها وزير الخارجية سيرغي لافروف ضمن أشغال المؤتمر، أكّد أن روسيا سوف تسهم بكل جهد ممكن لتعزيز حركة التغيير باتجاه تحقيق التعددية المركزية، وعلى أساس التمسّك بالمسؤولية القيادية الجماعية للدول لحل النزاعات التي يشهدها العالم، ولا يمكن للروس التغافل عن المواقف العدوانية للغرب وامتناعه عن الاعتراف بهذه الحقائق الموضوعية، ولا تجاهل رغبته الواضحة في فرض سيادته على الساحة العالمية مهما بلغ الثمن.


كما لا يمكن أبداً إنكار الحقيقة التي تفيد بأن النظام العالمي الراهن ما هو إلا نتيجة للعمل بمضامين الاتفاقيات التي فرضتها القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وسوف تعترض روسيا على أطروحات المشككين في نتائج تلك الحرب، ولن تتسامح مع أولئك الذين يحاولون عكس المسيرة الطبيعية للتاريخ، وليست لها طموحات يمكن أن تترتب على كونها قوة عالمية عظمى حتى لو حاول البعض إقناع أنفسهم بعكس ذلك، ولا لديها حماس شبيه بحماس الغرب لنشر قيمه في العالم أجمع من خلال أجندة «الدمقرطة».