الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الديمقراطية في أفغانستان

حدد الرئيس الأمريكي جو بايدن نهاية الشهر المقبل (أغسطس) لإتمام انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وقطع بايدن الطريق عن الضغوط التي بذلتها حكومة أفغانستان لإبطاء خروج تلك القوات.

وقبل عشرين عاماً دفع الرئيس بوش (الابن) بهذه القوات في أعقاب هجوم 11 سبتمبر، يومها كان من بين الأهداف المعلنة لإرسال هذه القوات، إزاحة طالبان من الحكم وبناء دولة ديمقراطية حديثة في أفغانستان، وقيل كلام كثير بهذا المعنى عن حق الأطفال والنساء في العيش بحرية والتنعم بثمار الديمقراطية التي ستهطل عليهم.

ومضت السنوات، بقيت طالبان قوية، حتى إن الولايات المتحدة دخلت في حوار معها زمن الرئيس السابق دونالد ترامب، وانتهى الحوار إلى الاتفاق على خروج القوات الأمريكية من أفغانستان.


كان مقرراً أن يكون ذلك مع نهاية مايو الماضي، لكن لأسباب أمريكية تتعلق بتسلم إدارة بايدن للشؤون الرئاسية، تباطأ الخروج حتى نهاية أغسطس.


الفائدة الوحيدة التي تحققت من التدخل الأمريكي هي إضعاف تنظيم القاعدة، لكن كان ذلك سيحدث دون التواجد الأمريكي، هذه التنظيمات تتآكل داخلياً وتتحور أو تتناسخ، فالقاعدة ضعفت ونتج عنها داعش.. وهكذا.

المهم هنا، أن نظرية فرض النموذج الديمقراطي قسراً على الدول والمجتمعات ثبت فشله، والعراق وأفغانستان نموذجان، هذه النظرية تبنتها عدة إدارات أمريكية متعاقبة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وتصور هؤلاء أن التاريخ انتهى وتوقف أو مات أمام الانتصار الأمريكي في الحرب الباردة وأنه حق لهم إعادة صياغة كثير من الدول وفق النموذج الخاص بهم، حاولوا ذلك بفظاظة بالغة، والغريب أنهم لم يستوعبوا تجربة الفشل السوفييتي، وأحد أسباب ذلك الفشل أن المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي تصور أن رسالته هي فرض (الاشتراكية العالمية) على الدول القريبة فكرياً من روسيا، فأفكار الاشتراكية والعدالة الاجتماعية لها نفس وجاهة أفكار الديمقراطية والحرية، واليوم بعد عشرين عاماً يقر الرئيس بايدن خطأ ذلك التصور، قال نصاً عن أفغانستان «لم نذهب لبناء أمة»، وأكد أن ذلك خيار شعب أفغانستان وقرارها.

بناء الأمم وإقامة الدول مهمة واختيار كل شعب، وإذا لم يكن مقبولاً من تيار أو اتجاه معين داخل البلد نفسه قسر الشعب على اختيار لا يرتضيه، فكيف يكون ذلك مقبولاً أن تقدم عليه دولة أجنبية، حتى لو كانت دولة عظمى؟

مرة أخرى، حتى الديمقراطية لا تتحقق قسراً ولا بالقوة الغاشمة، ولا تجلب من الخارج مع نخب مصنعة هناك، ساعتها سوف تصبح الديمقراطية بنظر الكثيرين قرين التدخل الأجنبي وإهدار سيادة الوطن والدولة، بما يدفع شريحة من المواطنين للتشكك بها وربما النفور منها.