السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«نزلاء المَنام».. يقظة سوريا في «أمان»

المعرفة بكل أبعادها وتجلياتها ـ حتى المُفْجِعة منها والمؤلمة ـ زينةٌ، بها نُعْرَف ونَعْرِف، خاصة إذا تحولت إلى نص مقروء، وهو في نظري أكبر عمقاً من تلك المشاهد العابرة التي نعيشها، أو يعيشها الآخرون، إنه اقتطاع من عمر الزمان، بحيث يُكْتب ليَبقى، وهكذا أرى المجموعة القصصية «نُزَلاَءُ المَنام» للكاتبة والشاعرة السورية «أمان السيد» المقيمة في أستراليا.

على القارئ لهذا المقال ألا يعتقد أو يتصور انطلاقاً من العنوان أن «أمان السيد» تغوص بنا في عوالم الأحلام، إنما هي تتحدث عن حقائق معبرة عن علاقات البشر وصلاتهم، حيث تدور أحداث معظم قصص المجموعة في سوريا، الحاضرة داخل محيطها الجغرافي، وموجودة أيضا في فضاءات الآخرين الجغرافية، حين يهاجر أو يفرُّ السوريُّون بحثاً عن ملاذ آمن لما بقي من ذات مهمومة، متوجسة خيفة مما يحدث في وطنها، مترقبة للحظة أمل قد تعيدها إلى بلادها، التي حقَّ عليها قول الشاعر اللبناني «جورج جرداق» في قصيدته «هذه ليلتي»:

وديارٌ كانت قديماً دياراً سترانا كما نراها قفاراً


تبدو سوريا في قصص «أمان السيد» حاضرة بحكم الواقع المعاش، والتاريخ المتراكم في تجربة الهجرة الاختيارية والإجبارية، وفي صيغ التعبير كتابة وشفاهة، وفي ذكريات لم يغرقها الزمن في بحره اللّجيِّ، كما هي أيضاً في «لهفة حنين وشوق» لا تزال في البداية، لكنها تظهر كأنها قد ولدت من دهور، أو هي في عالم الغيب انتظاراً لقيام الساعة.


هنا أقول بحب وصدق: آه من لهفة الحنين لسوريا.. ذلك إحساس كثيرين منا، من لم يكونوا يوماً أبناءها بحكم المنبت والمنبع، ولكننا بكل تأكيد ننتمي إليها بحكم الانتماء والأصل عربيّاً، أما جزائريّاً فهناك دم ونسب ومصاهرة منذ ذلك الاختيار للأمير عبدالقادر، وإلى ما بعد قيام ثورتنا وانتصارها وإلى الغد، وسيظلُّ جميل أهلها يطوِّق رقابنا نرثه جيلاً بعد جيل، وإذا كان يصعب رده فعلى الأقل علينا الاعتراف به.

وفي مجموعة «نُزلاء المَقام»، إحساس بالألم والوجع، أبدعت الكاتبة في التعبير عنهما لكن بصيغة الحديث عن صيرورة الحياة وكينونة الوجود البشري، وفيها أيضاً يبلغ الإحساس المفرط ذروته فتظهره شخوصها عبر حديث عن البشر وعلاقاتهم، وعن الأرض خروجاً منها أو عودة إليها، وعن الكائنات غير العاقلة باعتبارها شاهدة ومتأثرة، كل هذا لأجل أن تظل «سوريا الإنسان» موجودة وحاضرة في رحلة الزمان، ولأنها بِنْت لكل الأزمنة فهي في يقظة دائمة.

شكراً أمان السيد، قد احتوتنا مجموعتك القصصية، فأحسسنا بدفء سوريا، ومن لكم، ولنا ـ نحن العرب جميعاً ـ غيرها يوقظنا من نوم في الدم طال أمده!