الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«أُحادي - مُتعدّد».. أمريكا تفقد تفرّدها

لقد أُطلق على النظام الدولي الذي ساد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أُحادي القطبية الأمريكية، بعد أن كان أيام الحرب الباردة ثنائيّاً، لكن التوصيف الأدق - حسب علماء العلاقات الدولية - له الآن، أنّه نظام مزدوج (أحادي - مُتعدّد) تتزعمه الولايات المتحدة وتتواجد فيه قوى منافسة متعددة سابقة وصاعدة، بدأت تحجز مكاناً لها في المشهد العالمي.

إنّ تفوق الولايات المتحدة سابقاً وحاضراً كقوة عظمى، يُعزى حسب المختصين إلى حيازتها لما يُعرف بالمركّب الثلاثي المتكامل: القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، الأمر الذي وضعها ولا يزال على قمة الهرم السياسي العالمي وبتفوق واضح، لكن المستجد دولياً هو ظهور تحديات ومنافسين جدد لزعامتها العالمية من قِبل قوى كبرى أخرى على رأسها بالطبع روسيا على المستوى العسكري والصين اقتصادياً وتكنولوجياً، إضافة إلى لاعبين مهمّين سيشكّلون أرقاماً صعبة مستقبلاً ليس من السهل تجاهلهم أو عدم الالتفات إليهم، مثل الاتحاد الأوروبي واليابان والهند والبرازيل وغيرهم.

إنّ صراع أمريكا مع منافسيها يقوم على محاولة تعطيلهم مبكراً، أو عدم السماح لهم بتخطي مستويات معينة، واللافت في الأمر -وهو لصالحها بالطبع- ارتباط تفوق بعضهم وصعوده الاقتصادي بالنظام الرأسمالي، وبساحة عالمية هي من تسيّرها وتنظمها وتسيطر عليها، ما سيجعل فرصة استمرار ذلك مرتبطة بها، وهو ما يبقيها إلى حد ما مطمئنة لهذا، خاصة من جهة الصين التي رُبط صعودها وتقدّمها بالنظام الرأسمالي المُسيطَر عليه أمريكياً.


نعم، لا تزال الولايات المتحدة القوة الأعظم المسيطرة دولياً، وبقيت إلى اليوم تمسك بأهم خيوط اللعبة الدولية وأوراقها الرابحة المؤثّرة، لكنّها بدأت تفقد ميزتها باعتبارها القوة الأوحد عالمياً في المجالات الثلاثة المذكورة، فالتنافس العسكري والاقتصادي والتكنولوجي من قِبل القوى الأخرى آخذ بالتصاعد، ما سيفقدها الريادة المُطلقة، صحيح أنّ هناك فجوات كبيرة ما زالت تفصلها عن منافسيها، الذين سيحتاجون لسنوات وربما لعقود للحاق بها، إلا أنّ المهم هو بدء ذلك التنافس الحقيقي وانطلاقه بخطوات كبيرة خاصة من جهة الصين.


وأخيراً، فإنّ ما يجعل الأمور أكثر غموضاً وتعقيداً، هو عدم رغبة أي من منافسيها إدارة العالم وتحمّل الكلفة الباهظة لذلك، سواء كانت الصين أو روسيا أو الاتحاد الأوروبي، ما يعني بقاء القطب الأمريكي المتزعم الفعلي للعالم وبرغبة منهم، لكنّ أمريكا رغم ذلك بدأت تفقد ميزتها وتفردها الأوحد دولياً، بغض النظر عن المسافة والمستوى والرغبة التي وصل لها منافسوها.