الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

تونس.. الاستثمار السياسي للوباء

إقالة وزير الصحة التُّونسي «فوزي مهدي» من قبل رئيس الحكومة هشام المشيشي كانت قادحة لجدل سياسي جديد، فتوقيت الإقالة في الظروف التي تمر بها البلاد، والحيثيات التي أحاطت بالقرار، هي أبعاد تسمح بالقول: إن الطبقة السياسية الحاكمة تُقحم صحة المواطن التونسي في تصفية الحسابات السياسية، ولم يحصل في أيّ بلد في العالم أن حاول طرف سياسي حاكم أن يستثمر الوباء ونتائجه من أجل تحصيل مكاسب سياسية.

واضح أن هشام المشيشي، ومن خلال أغلب قراراته الأخيرة، يخضع لضغوط كبيرة من حركة النهضة وحلفائها، وإذ لا تُعفي هذه الضغوط المشيشي من كونه مفصلاً أساسياً في منظومة الفشل، إلا أنه يظل فاعلاً ثانوياً مقارنة بالدور الذي تلعبه النهضة في سعيها لهندسة المشهد السياسي في البلاد.

لقد ضغطت النهضة على المشيشي من أجل تغيير وزير الصحة أوّلاً لأنه محسوب على الرئيس، وثانياً لكي تمهد الطريق لإعادة وزير الصحة النهضوي الأسبق عبداللطيف المكي إلى الوزارة، وثالثاً لكي تعزز تموقعها الحكومي، وتنفذ فكرة الحكومة السياسية بالتدريج.


تصرّ حركة النهضة على تنفيذ مخططاتها، المعلنة والخفية، فيما يواصل الشعب إحصاء موتاه وتنظيم مآتمه، واقترحت النهضة منذ أسابيع فكرة الحكومة السياسية، وعجزت عن تمريرها بعد أن لاقت الفكرة معارضة واسعة من مختلف الأطراف السياسية.


وكانت فكرة الحكومة السياسية التي روجت لها النهضة في أوج انتشار الوباء، عنواناً لفترة سياسية جديدة ترنو الحركة إلى تدشينها، في سعيها إلى تحسين تموقعها الحكومي والمزيد من تمتين ريادتها البرلمانية، بعد أن استنفذت كل الحيل مع الرئيس قيس سعيد في كسر الجدار الذي شيّده أمام مناوراتها في ما يخص التعديل الوزاري والمحكمة الدستورية وغيرها.

عندما كانت تونس تكابد من أجل تسديد النقص في الأوكسجين والحصول على اللقاحات، كانت حركة النهضة تتحركُ في اتجاه آخر لا يؤدي إلى الغايات التي تخدم التونسيين، إذْ روجت لفكرة الحكومة السياسية، وألقت بمطلب التعويضات لأنصارها، وضغطت من أجل إقالة وزير الصحة، وواصلت سياسة تشويه الرئيس سعيد، ولا يستبعدُ في هذا السياق أن تضحي بالمشيشي إن تحول إلى عقبة أمام تحقيق أهدافها.

استثمار النهضة لهذا الظرف العصيب الذي تمر به البلاد الذي أدى إلى استنفار دول شقيقة وصديقة من أجل مساعدة تونس، يؤكد أنها غير آبهة بهموم الشعب، وأن بوصلتها تشير إلى كل الاتجاهات إلا الوطن والدولة.