الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

«حسين غباش».. فكر عابر للزمن

حلّت يوم الأربعاء الماضي (21 يوليو الجاري) الذكرى الأولى لرحيل المفكر الإماراتي والعربي «حسين عبيد غباش»، وهي ذكرى مؤلمة وحزينة ـ بلا ريب ـ لأهله وأقربائه، وللعرب ولغيرهم ممن رأوا في كتاباته وأفكاره إضافة نوعيّة للتراث الإنساني.

غير أن الألم والحزن قد يكونان اليوم ـ أو هكذا يفترض ـ جزءاً من الماضي، ذلك أن الدكتور حسين غباش ـ رحمه الله ـ هو ابن الحاضر والمستقبل، مع أن مؤلفاته إذا اعتبرناها منجزاً فكريّاً سواء من الناحية البحثية، أو من ناحية ظهورها في بعدها الوجودي هي بنت الماضي، وحتى لا نَتِيه في مجال التصنيف، نقول: «إن غباش كان ولا يزال وسيبقى إلى وقت طويل موجوداً بأطروحاته الفكرية عبر الزمان بأبعاده الثلاثة».

واليوم حين نتذكَّر حسين غباش، فإننا لا نقيم له مأتماً من جديد، ولا نعيد ذكر محاسنه في حفل تأبين، ولا حتى نلقي خطبة في مآثر الرجل وأعماله، أي إننا لا نذهب معه إلى عالم الأموات، وإنما نأتي مرافقين له إلى عالم الأحياء، ذلك العالم، الذي جعل قضاياه مؤسسة على وعي حضاري، خاصة في بعديها العربي والإسلامي، من خلال مجموعة تجارب (دبلوماسية، وأكاديمية ـ بحثية، وثقافية، وسياسية، وتاريخية واجتماعية) انتهت به إلى تعميق الأبستمولوجيا عربيّاً وإسلاميّاً.


وبروح العالم وصبر المؤمن، أوصلنا غباش إلى معين فكري لا ينضب، ورَوَى بعضاً من عطشنا ـ الجمعي ـ لمعرفة تاريخنا، خاصة في شقّه المتعلّق بالتأسيس للديمقراطية لدى الأمة العربية، انطلاقاً من التجربة العُمَانيَّة خاصَّة والخليجيَّة عامة، وذهب بنا في حركة تدافع مع الآخرين شدّاً وجذْباً إلى حيث قضايانا الثقافية لتأكيد الهوية الوطنية حين كتب عن «الإمارات والمستقبل»، وعمَّق معرفتنا بصراعنا الوجودي حين تناول الشأن الفلسطيني، وطاف بنا ــ عبر سمو نحو السماء ــ في عالم التصوف.


من ناحية أخرى، فإن غباش أعادنا إلى حضن النبوة من جديد، من خلال قراءته المعاصرة لسيرة النبي عليه الصلاة والسلام في كتابه: «محمد صلى الله عليه وسلم، قراءة حديثة في سيرة رسول النور والسلام»، في محاولة منه لجعل السيرة نوراً يعمّ البشر جميعهم في عصرنا هذا، في زمن كثرت أنواع الضوء نتيجة للطاقة، وقلت فيه أنوار العقول والأفئدة، من منطلق: «أن السيرة النبوية ليست مجرد تسجيل تاريخي عادي كما يحدث في السير الأخرى لباقي البشر، وإنما هي فعل إيماني تعبّدي لله عز وجل»، وبذلك جمع غباش بين الدبلوماسية والعلم والثقافة وأعطى، فأصبح فكره بَعد رحيله عابراً للزمن.