الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

الندابة العربية.. واستمرار الحياة

هُزم العرب في حرب 48، فأطلقنا مصطلح «عام النكبة»، واكتفينا بذلك، رحنا ننعي حظنا والمؤامرات الكونية علينا، دون أن نسأل أنفسنا: وماذا بعد؟ ثم هزمنا في حرب67، فأسماها محمد حسنين هيكل «النكسة»، ورغم مرور أكثر من نصف قرن على النكسة وخوض حرب أكتوبر بعدها، ما زال بعضنا يمارس الندب ولطم الخدود إلى يومنا هذا. لو كنت قارئاً مدققاً للصحافة المصرية والعديد من الكتب التي تصدر إلى يومنا هذا، فستجد أن هناك من تخصصوا في الندب فقط، وكأن التاريخ توقف عند «النكسة».

الولايات المتحدة بجلال قوتها العسكرية، هُزمت في أفغانستان بعد عشرين عاماً من الحرب وجلست تتفاوض مع طالبان، التي أعلنت الحرب عليها، وإنجاز الرئيس جو بايدن الذي يسعى إليه، هو سحب قواته من ذلك المستنقع. وقبلها هزمت الولايات المتحدة في فيتنام هزيمة مذلة، بعد عشر سنوات من القتال الوحشي، إلى درجة أن مجد الرئيس ريتشارد نيكسون يتلخص في نجاحه بإخراج القوات الأمريكية من فيتنام. وفي الصومال حدثت هزيمة للقوات الأمريكية دفعت الرئيس بيل كلينتون بسرعة إلى سحب قواته، ورغم كل هذه الحروب غير الناجحة، وإن شئنا الدقة الهزائم المتوالية، لم تشهد أمريكا حالة الندب والصراخ، ولم يخلقوا لأنفسهم عقدة ذنب يُوبخون بها ذاتهم ليلاً ونهاراً، بل واصلوا الحياة، منتجين ومستمتعين.

عقلية الندابة العربية، لا تذكر من تاريخنا سوى الهزائم ولا ترى في واقعنا سوى ماهو سيئ وسلبي، وكأنه قدرنا الذي لا فكاك منه، عقلية تضعنا في حالة من الحزن والتشاؤم، أو الخوف من الحياة ومن الآخرين، والأخطر فقدان الثقة بالذات، ومع وجود أزمات في عدد من البلدان العربية، سواء كانت أزمات داخلية أو بين بعضها، تزداد حالات الندب ويرتفع معدل اللطم وضرب الرأس على الحائط، وكأننا أمام نهاية التاريخ، والمؤسف أن يمارس ذلك سياسيون وكتاب يفترض أن يفتحوا طريقاً للمستقبل، حتى لو كان على مستوى الأفكار أو من باب الخيال السياسي والحلم الإنساني.


لا يوجد مجتمع بلا أزمة، وسوف تكون هناك أزمات متجددة ما بقيت الحياة ودور الأفراد والحكومات أن تواجه الأزمة، مرة أخرى المجتمع الأمريكي به أزمة عنف واستعمال السلاح وأزمة عنصرية تجاه الأمريكيين السود والأصول الآسيوية وأزمة مخدرات، فلماذا يفترض بعضنا أو يتصورون أن مجتمعنا يجب أن يكون معقماً ومجمداً، بلا أزمات أو مشاكل وهموم؟