السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

رجل الدولة ورجل الحزب

تشهد تونس اليوم صراعاً بين حالتين، حالة رجل السياسة الحزبية ويمثلها راشد الغنوشي، وحالة رجل الدولة ويعبر عنها الرئيس قيس سعيِّد.

وفي المفهوم العميق لعلم السياسة، فإن رجل السياسة هو شخص ماهر في تحريك الجماهير، وحشدهم خلف حزبه، أو جماعته، أو طائفته، يجيد النقد وإظهار العيوب، ويملك مهارات عالية في الخطابة والبلاغة والتهييج، في جوهره يعمل لتحقيق مصالح حزبه، أو جماعته، أو كل هذه المصالح معاً.

رجل السياسة يكون بارعاً في المناورة، والتفاوض واللعب بـ«البيضة والحجر» ـ كما يقول المثل الشعبي ـ فهو مناور عظيم، ولكن لا تحد مناوراته إلا مصالح حزبه وجماعته، لذلك يتحالف مع المتناقضين حسب تلك المصالح، ولا يكترث كثيراً إلا بالنجاحات المؤقتة، ولا تعنيه الخطط طويلة الأمد، فكل هدفه تحقيق النجاح الذي يحق المصالح التي يسعى إليها، حتى وإن قاد ذلك إلى مشاكل مستقبلية هائلة لدولته وشعبه.


رجل الدولة يختلف كثيراً، بل جذرياً عن رجل السياسة، وهو رجل السياسة الذي أتقن فنون السياسة، ووظفها لخدمة النفع العام والصالح المجتمعي، هو من يضع نصب عينيه مصالح دولته، وأمنها القومي، ويعمل لشعبها، كل شعبها؛ من كان ضده، ومن كان معه، من ينتمي لدينه، ومن يكفر به، من ينتمي لطائفته، ومن يعاديها، ومن ينتمي لعرقه، ومن يتعالى عليه، رجل الدولة يؤمن بالدولة والوطن والشعب كل الشعب، يسخر كل قدراته وإمكانياته لحماية مصالح دولته، والحفاظ على أمنها وتقدمها وازدهارها، رجل الدولة هو رجل السياسة مضافاً إليه كل القيم العليا للدولة، وكل المثل العظمى للسياسة، وكل المعايير المعتبرة للقانون.


لذلك نجد الفشل الذريع الذي شهدته الدول التي تخلصت من النظم القديمة الفاسدة في موجة الخريف العربي المشؤوم، بعد أن وصل للسلطة رجال السياسة؛ خصوصاً من تنظيم الإخوان، في كل من مصر وتونس وليبيا، والحوثيين في اليمن، كان الفشل الذريع في انتظارهم، جميع هذه الحالات لم تشهد رجال دولة، بل قادها رجال سياسة، وكان أكثرها فشلاً تجربة الإخوان في مصر، ثم في ليبيا وأخيراً في تونس؛ حيث جيء بعناصر الإخوان الذين لم يؤمنوا يوماً بمفهوم الدولة لقيادتها على الرغم من أنه ليس بينهم رجل دولة واحد.

لذلك كان من السهل على رجل دولة لا يقف خلفه حزب مثل قيس سعيِّد أن يستعيد الدولة من حزب وجماعة ودول إقليمية داعمة بالمال والإعلام والدعاية السوداء.