الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

تونس.. تصحيح المسار

وصفت كثير من النَّخب «أحداث الربيع العربي» بـ«الثورة»، وهلَّل الناس لسقوط بعض الحكام، واستبشروا خيراً لتغيير المسؤولين عن طريق الانتخابات، وراحوا ينتظرون متى تمطر السماء ذهباً وفضة، وتنزل عليهم الديمقراطية وبعد سنوات بدأت الشكوك، وبدأ المسار يتعرض للانتقادات، ونفد الصبر.. واقتنعوا بأن الثورة فشلت، ولا بد للثورة من ثورة.

وهذا الوضع هو حال تونس اليوم وغيرها من بلدان «الثورات»، كان لا بد من تصحيح المسار، أو تصحيح الثورة، مثلما قال الرئيس التونسي قيس سعيَّد، فالعبرة بالنتائج، إن الشعب يريد الملموس، يريد الشغل والسكن وراتباً محترماً، ومنظومة صحية قوية، وتعليماً راقياً، ومنشآت قاعدية متينة وغيرها.. ولما تفشل الثورة أو الأنظمة الحاكمة في تحقيق أهدافها، فإنه من المنطقي أن ينقلب عليها، فالشعب لا يأكل الديمقراطية.

إن الثورة وهي كلمة محبذة، قد تقود إلى الانقلاب إذا فشلت في تحقيق التنمية حتى لو وصل المسؤولون إلى الحكم بطرق ديمقراطية، والانقلاب وهو كلمة مذمومة قد ينجح في خلق التنمية، حتى لو وصل المنقلبون إلى الحكم بالقوة.

أما التسميات السياسية فلا معنى لها، وهكذا مثلاً، وصل الرئيس الجزائري هواري بومدين إلى الحكم بانقلاب عسكري، لكنه حقق الثورة، وأصبح رمزاً وطنياً رغم أنه حكم البلاد مدة 10 سنوات بدون دستور، وأسمى حركته الانقلابية بالتصحيح الثوري.

والتونسيون سيحكمون على ما فعله قيس سعيد بالنتيجة، سواء أكان ما قام به انقلاباً أم تصحيحاً، مثلما تم تقييم حكم النهضة بالنتيجة.. ذلك أن ثورة تونس حملت في طياتها بذور الانقلاب فهي لم تنجح خلال 10 سنوات الأخيرة في تحقيق أمنيات الشعب التونسي.

بالمقابل وصل الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة إلى الحكم بطرق ديمقراطية، وبعد 20 سنة خرج الشعب إلى الشارع منقلباً عليه.

ووصل الرئيس معمر القذافي إلى الحكم عن طريق انقلاب عسكري لكنه حقق التنمية في ليبيا، وبعد سنوات من الحكم، فشل في تحقيق مطالب أخرى مثل الحريات فانقلب الشعب عليه، لكنَّ المنقلبين على القذافي لم يحققوا الثورة وأصبحت ثورتهم بحاجة لانقلاب أو ثورة جديدة.

وهكذا كل ثورة تحمل بذور الانقلاب، وهذا الأخير يحمل بذور الثورة، وكل فشل يولّد للانقلاب أو التصحيح.