الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

فرنسا.. اللقاح والسترات الجديدة

ذكّرت المشاهد التي عاشتها باريس وبعض المدن الفرنسية الأيام الماضية من مواجهات بين مناهضي اللقاح وقوات الأمن بظاهرة السُّترات الصفراء، التي سممت السنوات الأولى من ولاية الرئيس ماكرون.

صحيح أن الفرق كبير في حجم وزخم وحدة هذه التظاهرات والاحتجاجات، لكن الجميع يذكر أن حركة السترات الصفراء بدأت بشكل محتشم وتطورت مع مرور الأسابيع إلى سيل شعبي عارم من الغضب والتمرد، أرغم الرئيس ماكرون وحكومته على تأجيل معظم الإصلاحات الجوهرية، التي كان ينوي إطلاقها.

والأسلوب الذي كانت استعملته حركة السترات الصفراء، جاء عبر الإصرار الدائم على عقد تظاهرات أسبوعية، تخللتها أعمال عنف شوهت صورة فرنسا في العالم.


لكن أوجه الشبه بين حركة المناهضين للقاح والسترات الصفراء واضحة للعيان، وتثير أكثر من تساؤل، وأول القواسم المشتركة نوعية القوى السياسة الفرنسية التي أرادت أن تركب الموجة، وتستغل هذا الغضب الشعبي، خاصة بين اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبين واليسار المتطرف بزعامة جان لوك ملونشون.


وتعتقد هذه القوى أنها بصبها الزيت على الشارع السياسي الفرنسي الغاصب، فإنها قد تسهم في إضعاف ونزع المصداقية عن الأداء، وعن الحصيلة الحكومية التي يعول عليها إيمانويل ماكرون كثيراً، للحصول على ثقة الفرنسيين لولاية ثانية.

المدهش أن تكون هذه القوى المتطرفة من اليمين واليسار هي التي تروج لثقافة المؤامرة، حيث تحاول أن تزرع بذور الشك في عقول من يتردد في أخذ اللقاح كخطوة جماعية لحماية البلد من انتشار فيروس كورونا في نسخه المتحورة. ويوجد في القانون الذي صوت عليه البرلمان بند يشجع ثقافة المؤامرة، خصوصاً عندما يمنح السلطات السياسية إيقاف حملة التلقيح إذا تبينت أن هناك عوارض سلبية، ما يؤكد لدى الرافضين للقاح هشاشة المعلومات حول موضوع اللقاح وانعكاساته لدى الدولة الفرنسية.

ومن المتوقع أن ترتفع وتيرة الاحتجاجات على الجواز الطبي وإلزامية اللقاح، بالرغم من تبني البرلمان الفرنسي لقانون يؤطر تداعياته، لأن هذه الورقة أصبحت سلاحاً ثميناً في أيدي قوى سياسية ضربت جميع الخيارات، التي اتخذها ماكرون، وسحب البساط من تحت قدميه، وإظهاره أمام الفرنسيين في صورة الرجل المرتجل وغير القادر على تحمل مسؤولية حماية الفرنسيين من الوباء، وضمان حريتهم الفردية التي يكفلها الدستور.