السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

عندما تدار السياسة بمنطق العقيدة

يقولون إننا شعوب متديّنة بطبيعتها، وقد يكون لذلك بعض المصداقية، ولكن الواقع أننا ابتلعنا الدين، فصرنا آلهة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وظهر فينا أكبر عدد من مدّعي النبوة، أو ممن يدعون أنهم المهدي المنتظر.

هذا التماهي في الدين بعقلية برغماتية توظف الدين للدنيا، وتستخدم كل مكوناته، وكل مظاهر التدين لتحقيق المصالح الشخصية، أو الحزبية، أو الطائفية، ويكفي المرء أن يتابع قنوات الإخوان والقنوات الطائفية في العراق وغيرها ليعرف كم نستخدم الدين ولا نخدمه، ونوظفه بصورة انتهازية يخجل منها الملحدون وكفار قريش.

في عالمنا العربي تستوي النخبة والجماهير، كلاهما يفكر في السياسة بمنطق العقيدة أو علم اللاهوت، ويديرها بنفس المنطق، ويتخذ قراراتها كذلك، الجميع لا يستطيعون أن يفصلوا بين الموقف السياسي الذي يتغير مع تغير المتغيرات التي صنعت هذا الموقف؛ سواء أكانت داخلية أو خارجية، وبين الموقف الديني المتعلق بالمبادئ وقضايا الاعتقاد التي لا يجب أن تتغير.


السياسة في الغرب هي فن الممكن، وفي تراثنا الإسلامي هي فن تحقيق مصلحة المجتمع الذي تُنفذ فيه هذه السياسة، يقول ابن عقيل الحنبلي: «السياسة هي أي فعل يكون الناس معه أقرب للصلاح وأبعد عن الفساد؛ وإن لم يرد فيه قرآن ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم»، وهنا تأمل كلمات ابن عقيل «أقرب للصلاح وأبعد عن الفساد»، ولم يقل يكون الناس في حالة صلاح أو في الصلاح، وإنما أقرب لأن الفعل السياسي فعل نسبي، لا يعرف المطلقات، ولا يعرف الجزم أو القطع.


السياسة في عالمنا العربي لا تعرف المعنى الغربي ولا المعنى الإسلامي، فلا تعرف فن الممكن، ولا علم المصلحة، لأنها خرجت من علم السياسة إلى علم العقيدة أو علم اللاهوت، وبذلك دخلت في منطقة الصحيح المطلق والخطأ المطلق، دخلت في منطقة الخير المطلق أو الشر المطلق، دخلت في منطقة الحلال المطلق أو الحرام المطلق، فلم يعد هناك سياسة؛ بل أصبحنا في معركة عقائدية أياً كان أطرافها، وأياً كانت موضوعاتها.

في هذا السياق يمكن فهم الفتوى التي أصدرها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بخصوص قرارات الرئيس التونسي التصحيحية لمسارات السياسة في دولته، حيث أوشكت هذه الفتوى أن تكفر الرئيس التونسي، وتعاملت مع قراراته من باب الحلال والحرام وليس من باب مصلحة البلاد والعباد، وذلك للدفاع عن حزب الإخوان الفاشل الذي ينتمي إليه أعضاء هذا الاتحاد.