السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الاستراتيجية مقابل العشوائيَّة

في إحدى دراساتها المهمة أصدرت شركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» للمحاسبة تقريرًا يحدد توقعات النمو حتى عام 2050 لـ32 من أكبر الاقتصادات في العالم، بعد تنازلي، جاء فيه أنه في عام 2050 ستتقلص هذه البلدان من 32 إلى 1 بناءً على الناتج المحلي الإجمالي عند تعادل القوة الشرائية، مما يسمح بقياس أكثر دقة لما تنتجه البلدان، وأن التي تتبع استراتيجيةت صحيحة ستنهض، وتلك التي تمارس العشوائية سوف تنهار.

هذا، في إشارة واضحة إلى أن إدارة البلدان تشتمل على عنصرين أساسيين، الاستراتيجية والعشوائية، الأول هو التخطيط والدقة وطحن الأرقام والتنظير والتفكير العلمي والإبداعي، والمناهج التي ينطوي عليها ما يسمى بتحقيق أهداف اللعبة، أما العشوائية في كل نواحيها فهي عكس التفكير الاستراتيجي، فهي الافتقار المطلق إلى النية السليمة، والانحدار أو الافتقار إلى البصيرة وأي نوع من التفكير الموجه نحو التنمية والنهضة.

وفيما يخص البلدان الناضجة، بغض النظر عن حداثتها فهي تتحمل المسؤولية الأساسية عن تهيئة الظروف الوطنية والدولية التي تفضي إلى إعمال الحق في التنمية، حيث يتطلب الاحترام الكامل لمبادئ القانون الدولي، مع إنشاء نظام سياسي واقتصادي دولي على أساس المساواة في السيادة والتكافل والمنفعة المتبادلة والتعاون بين جميع الدول.


ودون تعيين أي نوع من الدلالات الإيجابية أو السلبية لهذه المصطلحات، يتم الكشف عن صعوبة تقاسم المنافع ككل لأنها تعتمد بشكل حاسم على التوازن الدقيق، ولا يمكن لهذه المعاملة التركيز كثيراً على أي ديناميكية من جانب واحد، وإلا فإنه يصبح متذبذباً جداً عشوائياً من ناحية، أو استراتيجية يمكن التنبؤ بها بدرجة كبيرة من ناحية أخرى.


وهكذا نرى العشوائية الشديدة مع عدم وجود استراتيجية تجعل الأمة محبطة وتنتظر خطر القلب المحتمل للطاولة، وربما تكون أسوأ من الخطة العشوائية البحتة تلك التي تتنكر في شكل استراتيجية، في حين أن الاستراتيجية البحتة موجودة بالتأكيد، على وجه الخصوص عندما تتقن القيادات طريقة لعبتها الخالصة الدبلوماسية.

إذن، العشوائية هي عدم القدرة على الالتزام بالخطة، وتنفيذ الحد الأدنى منها، كما هي الحال في السودان منذ الاستقلال، حيث الإمعان في ممارسة إدارة الدولة بعقليّة التكرار، والتي لا ولن تجلب أي اختلاف للنتائج، بل تنتج الهرولة إلى الوراء، فالأمر لا يعتمد على الثروة بقدر ما هو مرتبط بالتخلي عن العشوائية واعتناق الاستراتيجية، بوعي يعبر بالبلاد إلى بر النهضة، وليس إلى حافة الانهيار.