الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

أفغانستان.. صراع تاريخي لا يتوقف

مع هيمنة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابل يوم الأحد الماضي 15 أغسطس الجاري، والسيطرة على مطاراتها وتلاشي مؤسسات الدولة الأفغانية السابقة، فإن أفغانستان تدخل مرحلة تاريخية جديدة.

لقد حاولت الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا صناعة هذه الدولة على الطراز الغربي، دون أن تستفيد هذه الدول من المحاولة السوفييتية الفاشلة بتحويل أفغانستان إلى دولة شيوعية اشتراكية قبل أربعين عاماً تقريباً، هذه المرحلة التاريخية الجديدة في ظاهرها الانتصار لحركة طالبان، ولكن ذلك ليس بالضرورة أن يمثل انتصاراً للشعب الأفغاني وتقدمه وازدهاره، فالانتصار العسكري لا يعني بالضرورة أن الدول الغربية قد انهزمت في أفغانستان، بل يمكن أن تذهب هذه الدولة إلى مراحل أخرى من الفشل الأمني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

إن ما يمثل مشكلة حقيقية في أفغانستان هو قدرة الدولة المقبلة على تقديم رؤية مقبولة للمجتمع الدولي، وليس تكرار تجربة الدولة العشائرية أو الأيديولوجية فيها، والسلوك السابق مكّن الحركة من السيطرة العسكرية على أفغانستان عام 1996، ولكنها بقيت دولة غير معترف بها دولياً، ثم تم إسقاطها بالاحتلال الأمريكي والتحالف الدولي عام 2001 إثر أحداث الـ11 سبتمبر.


مستقبل الدولة الأفغانية غير واضح المعالم ومقلق في حال سعت الحركة لإقامة نظام سياسي مدني في ظاهره، ولكنه عشائري وأيديولوجي في تعامله مع الشعب الأفغاني أولاً، وفي تعامله مع المجتمع الدولي، فالدول الغربية ستعيد ممارسة ضغوطها الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية كما فعلت مع حكومة طالبان الأولى بين 1996 و2001.


من المعلوم أن أفغانستان بلد معقد في تركيبته العشائرية والفكرية والطائفية والحزبية أولاً، وفي علاقات معقدة مع دول الجوار ثانيا، وبالأخص بين روسيا والصين وإيران وباكستان، أي أنه في أزمة ضبط شؤونه في السياسة الداخلية، وفي ضبط سياسته الخارجية، ومظاهر الاضطراب الاجتماعي التي واكبت سيطرة الحركة على البلاد وهرب الكثير منهم لخارج البلاد مؤشر على مخاوف الانتقام والتصفية الجسدية كما يجري مع كل الانقلابات العسكرية في دول العالم.

دول الغرب وبعد فشلها في إقامة نظام سياسي مدني في أفغانستان من الداخل ستواصل مشروعها من الخارج، بل إن الأرجح أن ستغطي على فشلها السياسي وهي في داخل أفغانستان مواصلة ذلك أكثر من الخارج، وذلك من خلال نظام العقوبات ومنع الاعتراف الدولي إلا بشروط، عبّر عنها المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس قبل أيام، ومنها شرط عدم مهاجمة أمريكا ولا مصالحها في المنطقة، وعدم مهاجمة دول الجوار، ومنع استخدام الأراضي الأفغانية كملاذات آمنة للحركات الإرهابية في المنظور الأمريكي، والتزام الحكومة المستقبلية بالالتزامات الدولية.