الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

خطأ أمريكي.. مكرر

فجر الأحد أُعلن عن سيطرة حركة طالبان على مدينة «جلال آباد»، دون قتال، استسلم حاكم المدينة، حفاظاً على أرواح المدنيين، وبالتأكيد لم تكن لديه قدرة على المقاومة ولا رغبة في ذلك أو ربما شعر باللاجدوى من ذلك، قبل جلال آباد بساعات سقطت مدينة «مزار شريف» ومن قبلها كانت «هرات» وهكذا، ثم العاصمة كابول، وعملياً صارت أفغانستان في يد طالبان.

ما ذكرته المخابرات الأمريكية الأسبوع الماضي، وكذلك بعض قيادات البنتاغون أن أمام طالبان تسعين يوماً لدخول كابول، ثبت عدم دقته الكاملة.

هناك حديث متواتر، بين المحللين في أكثر من بلد، عن اتفاق سري بين طالبان والولايات المتحدة على تسلم مقاليد السلطة، شريطة عدم السماح بعودة تنظيم القاعدة للعمل من أفغانستان، وبالطبع عدم استهداف الولايات المتحدة ومواطنيها، وهذا كله يدخل -حتى الآن- في باب التحليل والاستنتاج، الذي تقود إليه شواهد عديدة، لكن ليست هناك معلومات مؤكدة حوله.


الولايات المتحدة، أعلنت من قبل، أنها دربت وسلحت الجيش الأفغاني، وأنها أنفقت مليارات الدولارات على التسليح والتدريب، وأنه صار جيشاً قويا وقادراً، رغم هذا، فرَّ هذا الجيش من الميدان أو استسلم في أول مواجهة حقيقية؛ جرى الشيء نفسه مع الجيش العراقي في الموصل سنة 2014، حين فرت قواته وتركت العتاد كاملاً أمام جحافل داعش، وقد نصدق ونثق في جدية، مسألة التدريب والتسليح الحديث، لكن الروح والعقيدة القتالية لدى قوات الجيش في أي بلد، مسألة أخرى تماماً، تسبق عمليات التدريب والتسليح.


الخطأ الأمريكي في أفغانستان هو أن الولايات المتحدة أعطت نفسها الحق في إعادة هندسة مجتمع وتشكيل دولة وفق تصوراتها، حتى لو كان ذلك ضد ثقافة وتقاليد وطبيعة ذلك المجتمع، هذا ما حاولوه في أفغانستان وفي العراق والصومال وقبلها في فيتنام، وفي كل مرة تكون النتيجة مأساة كبرى للشعب وللدولة التي تدخلوا فيها.

وغير بعيد عنا ما جرى وما كان يجري التخطيط له، سنة 2011، في بلدان ما عرف باسم «الربيع العربي» وما انتهت إليه الأحوال، هندسة المجتمعات وبناء الدول، أمر خاص بأبناء ذلك المجتمع في تفاعلاتها وتناقضاتها، حفاظاً على مصالحه ومكتسباتها، ويمكن للقوى الكبرى والدول الصديقة أن تساعد وأن تقدم النصح، أما التدخل الغاشم والباطش فتكون نتيجته عكسية تماماً.

الرئيس جو بايدن قال مؤخراً: «أن بناء الدولة وتطويرها في أفغانستان شأن المواطنين الأفغان وليس دور القوات الأمريكية»، وهو قول صائب تماماً وإن جاء متأخراً جداً جداً، وما نتمناه ألّا تأتي إدارة أمريكية أخرى وتفعل العكس وتكرر الخطأ القديم في بلد آخر.