الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

واشنطن والفشل الأفغاني

لم يكُن مفاجئاً لغالبية المراقبين للشأن الأفغاني العودة السريعة لحركة طالبان وإحكام قبضتها على غالبية ولايات البلاد وصولاً إلى بوابات كابول، إلا أن ما يثير الاهتمام ذلك التراجع والفرار الدراماتيكي للقوات الحكومية في مشهد يعيد للأذهان سيطرة داعش على الموصل وانسحاب القوات العراقية بلا مقاومة تذكر.

تجارب الولايات المتحدة في فرض الديمقراطية وتعزيز قدرات القوات المسلحة في أفغانستان والعراق ودول أخرى، هي تجارب حكمها الفشل، بحيث لم تصمد الحكومات المحلية وقواتها العسكرية سوى أسابيع قليلة بعد انسحاب القوات الأمريكية، الأمر الذي يعني أنه على واشنطن إعادة التفكير باستراتيجياتها التي تتبعها أثناء تدخلها الخارجي.

الواقع يؤكد أن تدريب وتسليح القوات العسكرية أمر آني لا يعكس القدرات الحقيقية، فالعقيدة العسكرية هي الأساس الذي تبنى عليه الجيوش، وبلا عقيدة راسخة في نفوس الجنود والضباط لا فرق بين جندي مدرب ومسلح وجندي لا يمتلك أي سلاح، فكلاهما بلا هدف يحارب من أجله.

من الواضح تماماً أن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية غفلت عن بناء الإنسان وعقيدته العسكرية الوطنية، كما أخفقت في بناء المؤسسات القادرة على إدارة ذاتها في مختلف الظروف دون دعم خارجي، وما الانهيار السريع للقوات الأفغانية إلا تأكيد على فشل استراتيجية التركيز على القضايا الفنية وتجاهلها تعزيز الهوية العسكرية للجيوش الوطنية.

أفغانستان كغيرها من الدول الأخرى قائمة على معطيات قبلية ودينية، والتعامل معها كدولة قابلة للتكيف مع النموذج الأمريكي المدني يشير إلى عدم فهم حقيقي للواقع، وعلى الإدارة الأمريكية أن تدرك الاختلافات الجوهرية بين المجتمعات وخصوصيتها، وأن تتراجع عن فرض النموذج الواحد الذي أثبت فشله الذريع في كافة التدخلات الأمريكية الخارجية.

ما قامت به أمريكا في العراق وأفغانستان ودول أخرى نقيض للأهداف التي تسعى إليها، فبمجرد خروجها تتحول كميات مهولة من الأسلحة المتطورة إلى أيدي جماعات متطرفة تدرك تماماً أن الجندي المقابل لها بلا هدف ولا عقيدة ومستعد للفرار مع أول طلقة في للمعركة، بحيث تغنم هذه الجماعات تكنولوجيا متطورة وفتاكة هذا إذا لم تنضم إليها أعداد كبيرة من القوات التي دربتها واشنطن لسنوات طويلة.

باختصار على واشنطن أن تدرك أن التعامل مع الباشتون والطاجيك وغيرها من العرقيات الأفغانية يختلف تماماً عن التعامل مع سكان الولايات المتحدة، وعليها أن تضع نصب عينيها عند أي تدخل خارجي أن تقرأ وتفهم الشخصية المحلية، وتضع لها استراتيجية خاصة تستوعب المعطيات الديمغرافية والجغرافية.