السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

جذور «الفتنة» القريبة في الجزائر

صعدت إلى واجهة الأحداث في الجزائر «فتنة» لم تكن نائمة كما يرى كثيرون، بل كانت ماثلة للعيان وتشق طريقها بوثوق، حيث تبادل مستخدمو شبكات التواصل التراشق بالتهم بين القبائل والعرب على خلفية إقدام مجموعة من الشباب في مدينة «لاربعا ناث إراثن» بولاية (محافظة) «تيزي وزو» على قتل أحد الشباب وحرقه أمام الملأ في مشهد «هوليوودي».. هذه المأساة، عجّلت بتوجيه التهم لـ«حركة الحكم الذاتي لمنطقة القبائل»، التي تروج للانفصال عن الجزائر.

هذه الفتنة، لها جذور قريبة وأخرى بعيدة.. القريبة منها هي أن حكومات الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة المختلفة تساهلت مع عناصر هذه الجماعة، وسمحت لهم برفع راية انفصالية في عدة مناسبات بحجة أنها راية ثقافية، ومكنت لمجموعة من أنصارها من تبوؤ مكانة في مؤسسات الدولة، والأندية الرياضية، ولم تحرك ساكناً عندما أنشأ زعيمها فرحات مهني «حكومة في باريس» عام 2010، وإلى اليوم لم تطرح هذه القضية بالجدية اللازمة مع باريس، كما أقدم بوتفليقة على «دسترة الأمازيغية» كلغة رسمية بدون استفتاء شعبي وقبل أن تكتمل هذه اللغة التي من المفترض وطبقاً للدستور أنها تكون «موحدة» لنحو 13 لساناً أمازيغياً، حيث تم إنشاء المحافظة السامية للأمازيغية لهذا الغرض، لكن الكثيرين فهموا الأمازيغية على أنها القبائلية، ومع وجود لغة وراية يصبح الانفصال تحصيل حاصل.

عملت هذه الحركة على تحريض سكان المنطقة ضد «الدولة» ومؤسساتها، بدون أن يكون هناك موقف قوي، بهدف تكريس «الانفصال» كأمر واقع، لذلك عادة ما يطارد الوزراء الذين يزورون منطقة القبائل، فضلاً عن رفع شعارات عدائية للدولة في كل المناسبات تقريباً.


كذلك، منذ سنوات طويلة تتعرض الانتخابات في المنطقة إلى التخريب، بالمقاطعة وهو سلوك سياسي حر، لكن الأخطر بمنع المواطنين من الترشح والتصويت وحرق حتى صناديق الانتخابات، وبهدف تكريس «التميز» يروج أنصار الانفصال إلى رفض الدين الإسلامي، لكن سكان المنطقة عادة ما يردون عليهم بقوة، ففي رمضان الأخير نظم سكان المنطقة عدة موائد إفطار جماعية في الساحات العامة للرد على من ينتهكون حرمة هذه الشعيرة.


ورغم أن مواطني المنطقة يؤكدون أن حركة الحكم الذاتي لا تمثلهم، وأن المسؤولين الجزائريين يعرفون ذلك ويؤكدونه، إلا أنه لم تبدأ المعاملة الجدية حتى 2019، عندما قرر الجيش الجزائري منع رفع الراية الانفصالية، ثم تكرس ذلك في عهد الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون بتصنيف هذه الحركة «إرهابية».

وهكذا يتضح أن معظم الضرر من مستصغر الشرر، لكن الأصل الحقيقي للفتنة يعود للفكر الاستعماري الذي سنشرحه في مقال مقبل.