السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الانسحابات الأمريكية.. نظام دولي يتشكّل

يشوب العالم اليوم حالة من الغموض والترقب حول الشكل المتوقع للنظام الدولي الجديد، الذي تقوم أمريكا بالتأسيس له، وقد ظهرت هناك عدة مؤشرات تدل عليه وفي جوانب متعددة، منها: الانسحابات العسكرية الأخيرة من مناطق مختلفة من العالم، والتي تُوّجت بالانسحاب الأخير من أفغانستان.

لقد حاولت الولايات المتحدة إيجاد عدد من التوترات والنزاعات في العالم، وترك السابق منها كما هو، وفي مناطق مختلفة منه، وبالقرب من المنافسين والخصوم وحتى الحلفاء، ثم أبقت كل ذلك مُعلّقاً بلا حل، وزادته بالانسحابات العسكرية الأخيرة، وذلك لإبقاء أقاليمهم بحالة توتر واضطراب مستمر، وقامت بقذف المشكلة تجاههم، ليقوموا بدفع ثمن حلِّها من جهة، ولمحاولة مقايضتهم عن طريق المساعدة في ذلك بشرط قبولهم الصيغة الأمريكية للنظام الدولي الجديد من جهة أخرى، وذلك لعدم استطاعة أيّ أحد منهم حل كل هذه المشكلات دون الراعي الأمريكي.

يقول البعض: إنّ الانسحابات العسكرية الأمريكية الأخيرة من مناطق مختلفة، قد تكون تكتيكية أو إعادة للتموضع أو اضطرارية أو نتيجة هزائم مستحقة وخسائر عالية جداً، لكن اللافت في الأمر ربما هو أنّ الولايات المتحدة تخطط لمحاولة تجيير كل ذلك لصالحها، فحتى فشلها أو إخفاقها تريد الاستفادة منه عن طريق تحميله للعالم والتفاوض عليه.


النظام الدولي الجديد الذي تريد أمريكا بلورته له خصائص وسمات كثيرة، عُرف بعضها ولم يعرف البعض الآخر، لكن من ملامحه المتعلقة بموضوع المقال، أنّ أمريكا لا تريد حلَّ مشكلات العالم ونزاعاته بنفسها، بل تريد الإشراف على ذلك، وجعل بقية العالم يقوم به، خاصة الكبار والمنافسين منهم، وهذا ما يُفسّر إسراع روسيا والصين وغيرهما من الدول على سبيل المثال للتواصل مع حركة طالبان، فأمريكا تريد إبقاء الكثير من المشكلات معلّقة، لتضعها على طاولة التفاوض وتُقايض بها موافقة دول العالم على رؤيتها المقبلة لإدارة العالم، وتشكيل نظام دولي جديد على مقاسها، تتحمل فيه هذه الدول كلفة حل مشاكله، أو فلتبقَ مشتعلة كما هي وعلى حدود هذه الدول، وفي قلب مناطق العالم وأقاليمه.


وعليه، فنحن أمام مرحلة جديدة من التفكير الاستراتيجي الأمريكي، يقوم على أنّ أمريكا لا تريد أن تبقى جزءاً من المشكلة، بل جزءاً من الحل، وذلك لقطف الثمار بأقل ثمن ممكن، وهذا هو العنوان المُقبل لسياساتها البراغماتية وتحركاتها وقراراتها، فهل تنجح في ذلك، أم أنّ العالم قد تغيرعمّا كان عليه سابقاً؟