الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

فتنة الجزائر.. والاستعمار

شرحت في مقال سابق الجذور القريبة للفتنة التي تعيشها الجزائر حالياً، والمتمثلة في الصراع الطائفي بين العرب والقبائل، وقلت في الخاتمة: إن الأصل الحقيقي للفتنة يعود للفكر الاستعماري.

وقد وصف الدكتور محمود براهم في تقديمه لكتاب عبدالرحمن بن الحفاف، «مصادر الحضارة الكونية» الصادر عام 2018، بالجزائر، المسألة الأمازيغية بـ«الأسطورة القبائلية» التي أنجبها الفكر الاستعماري القائم على نظرية التفوق العرقي.

حيث اجتهد مفكرو الغرب على مر التاريخ في طمس الحضارة العربية الإسلامية، وإبراز الحضارة الأوروبية من منطلق التعالي، مثل دوليل فكتور كورتي، والفرنسي جول فيري.


ومن منطلق التفوق العرقي مارس العسكريون الأوروبيون استراتيجيات التفتيت والتفريق، لا سيّما في الجزائر، وعملوا على ضرب الجزائريين بالجزائريين، وأول من نظر لذلك الجنرال دو ليطان.


ثم انخرطت في هذا المسعى «جمعية باريس الأنثروبولوجية» التي ضمت أطباء وعلماء اجتماع وعسكريين وعملت على تأسيس «الفتنة التي تلوح شرارتها» حالياً.

ويعتبر المؤرخ شارل روبير آجيرون أول من تناول بالدراسة ما يعرف بالسياسة القبائلية لفرنسا، التي تهدف إلى خلق «القبائلي الجيد» و«العربي السيئ»، وتقوم على الاعتبارات العنصرية السائدة في أوروبا، فكرّست لفروقات وهمية بين القبائلي والعربي، وقد نشرت عدة دراسات أنثروبولوجية بهذا الخصوص.

وفي عام 1837 أنشأت جمعية باريس الأنثروبولوجية لجنة خاصة بالجزائر تعمل بتوجيهات دقيقة حول كيفية دراسة الجزائر، لتكريس التمييز بين العربي والقبائلي، وبناء عليه صدرت عدة دراسات تزعم أن القبائل مختلفون جداً عن العرب، وتنفي عنهم حتى صفة التدين بالدين الإسلامي وترى أنهم أقرب إلى الأوروبيين الآريين من العرب الساميين، وتواصل هذا النوع من البحوث على مدى 70 سنة لإنضاج «الفتنة» وتكريسها.

وفي هذا السياق يدخل تشجيع فرنسا «التعدد اللغوي»في الجزائر كمدخل لتعدد الأعراق وضرب الدين عن طريق ضرب اللغة العربية، رغم أنها ترفض الاعتراف باللغات الموجودة لديها كلغات رسمية عدا اللغة الفرنسية، إلى درجة جعلت اللغة الفرنسية والمواطنة متلازمتين إلى الأبد.

ولم يتم الاعتراف باللغات والثقافات المحلية كجزء من التراث الفرنسي إلا عام 1969، ولم تصبح لغات الأقلية مسجلة في الخطاب الرسمي حتى 1981 في خطاب الرئيس فرانسوا ميتيران.

وفي عام 1992 عندما صادق المجلس الأوروبي على ميثاق اللغات، تم تعديل المادة 2 في الدستور الفرنسي لتصبح «لغة الجمهورية هي اللغة الفرنسية»، ولم تصادق فرنسا على هذا الميثاق حتى 1999، لأن المجلس الدستوري أعطى رأياً سلبياً بخصوصه.

وبوأد الفكر الاستعماري الذي يكرسه بعضهم اليوم، تنتهي الجذور الحقيقية للفتنة.