الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

حرية الإنسان بين الفكر الديني والفلسفة

القراءة الأولية لحرية الإنسان في الفكر الديني، هي أن الإنسان مخلوق لله تعالى، مكلف بالعبادة ومسؤول عنها بالإيمان والاعتقاد والعمل الصالح والمفسد، لأن الله ميّزه عن الملائكة بالاستخلاف في الأرض، ومن ثم محاسبته على نتائج هذا الاستخلاف إن كان خيراً أو شراً، «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًاً يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّاً يَرَه» [الزلزلة:7-8]، وعليه فإن حرية الإنسان في الفكر الديني مقيدة بالإيمان الحق، سواء كان الإنسان مقتنعاً بالدين أو غير مقتنع به، وقد مثّل هذا التوجه الفكري العديد من مفكري المسلمين لدى المعتزلة والأشاعرة وغيرهم.

والحرية في الفكر الفلسفي، أن الإنسان كائن طبيعي مثل باقي الكائنات، ونمو الفكر والتفكير لديه جعل منه كائناً مدركاً لذاته العاقلة، فمنح نفسه حق الحرية بما لديه من قدرة العقل وحق التصرف لاختيار الأفضل دون موانع ولا معيقات، فحريته تعتمد على حق في اتخاذ قراراته، وقد مثل هذا التوجه مدرسة سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم.

وقد يبدو مفهوم الحرية في الفكر الفلسفي أكثر حرية منه في الفكر الديني، ولكن مفهوم الحرية في الفكر التاريخي والتراثي لدى المفكرين الدينيين أو الفلاسفة تداخل لدى الكثيرين من المفكرين المتدينين والفلاسفة، فكان فكرهم حول مفهوم الحرية ممتزجاً بالأفكار الدينية والفلسفية معاً، كما في مدارس المتكلمين الفلاسفة عند المسلمين وغيرهم، فأفكارهم من أمثال الكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد وغيرهم هي مزيج من الفكر الديني والفلسفي في مسألة الحرية، حيث يتمسكون بمفهوم التكليف الشرعي ومفهوم حق الإنسان بهذه الحرية في اختيار ما ينفعه.


والفكر الفلسفي الأوروبي الحديث هو امتزاج بين الفكر الديني والفلسفي، أو محاولات للتوفيق بينهما باختلاف تعريفاتهم وعباراتهم في التعبير عنها، كما عند ديكارت وسبينوزا وكانط وغيرهم، فقد عبروا بمصطلح دور الأخلاق وأثرها على الحرية، والأخلاق مصطلح لدى الفلاسفة يستخدم بديلاً عن كلمة الدين عند المتدينين الفلاسفة، وهكذا لم يعد لدى الفلاسفة موقف مستقل في التفكير الفلسفي بعيداً عن الرؤية الدينية، سواء إيجاباً أو سلباً.


وسواء تم التأصيل لمفهوم الحرية على أساس الفكر الديني أو الفكر الفلسفي فإن الأهم هو تحقيق هذا المفهوم في حياة الناس، سواء أكانوا متدينين أم فلاسفة، فلا يكفي ادعاء المستند التأصيلي للحرية ولا التنافس عليه ولا إنكاره على الآخر، وإنما تحقيقه في حياة الناس لدعم انتشاره وتحققه لدى شعوب الأرض، فالعبرة بإقامة المجتمعات الإنسانية على أساسه وليس الصراع على أصالته.