الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

تَوَلَّىَ ما كُفيَ.. وضَيَّعَ ما تَوَلَّىَ

حكمة يختصر بها العلماء توصيف أحوال البشر، عندما يضلون الطريق، وتضيع من بين أيديهم الأهداف، ويفقدون البوصلة، ويسيرون في صحراء بلا معالم ولا دليل؛ هذه الحكمة تقول إن هناك نوعاً من البشر يترك طوعاً واختياراً ومع سبق الإصرار مهمته، ووظيفته، ومسؤوليته، ودوره، وينشغل بما لم يطلب منه أو يُكلف به، أو يناط به، هنا يقال عن هذا الإنسان التائه الضائع الذي ترك مسؤولياته وانشغل بما يجب أن يقوم الآخرون به لمصلحته: «تَوَلَّىَ ما كُفيَ، وضَيَّعَ ما تَوَلَّىَ».

هذه الحكمة أو هذا الوصف يردده عادة الأزهريون، لأنه من تراث تعليمهم المتوارث على مدى ألف عام، يستخدم هذه الحكمة الأزهريون لوصف الابن الضال بينهم، ولردعه عما يقوم به، ومنعه من التمادي فيه، وتذكيره بأنه يقوم بما لم يطلب منه، بل إن هناك من سيقوم به لصالحه، وهو يعلم ذلك.

تعالوا ننظر لواقع المجتمعات العربية والمسلمة، ونحاول أن نضع ميزاناً لتحديد سلم الأولويات، فسنجد أن الأزمة الحقيقية تكمن في عجز المؤسسات الدينية، عن القيام بدورها الحقيقي، وفشلها الذريع في أن تقدم الخدمة المطلوبة للحفاظ على تماسك المجتمع، وتحقيق حالة صحية فيه تسمح له بالدخول الى عالم التحضر الإنساني الحقيقي، حيث للأسف يشهد كثير من المجتمعات مظاهر متعددة للانهيار الأخلاقي، حيث الرشوة والفساد، والتهافت على الثراء من المال الحرام سواء من المال العام أو الخاص، على الأقل يندر أن تجد مَن هو حريص علي إتقان عمله لجعل رزقه حلالاً.


العديد من المجتمعات المسلمة، خصوصاً في غرب أفريقيا وآسيا، والدول التي مر بها الخريف العربي المشؤوم، يهددها تطرف ديني عبثي، يستحل الدماء والأموال، يقتل البشر على الهوية، ويزرع المتفجرات في الشوارع لقتل الأبرياء، هذه المجتمعات تعاني من الإرهاب المبرر دينياً، الذي يمتطي النص الديني للوصول الى أغراض دنيوية سياسية.


فقد أصبح الدين لا حارس له، ولا حامي، يختطفه أنصاف جهلاء من عديمي الدين الذين باعوا ضمائرهم لمن دفع لهم أموالاً، وفّرت لهم حياة القصور والسيارات الفارهة، فنشروا ثقافة دينية غريبة، ثقافة تفتقر إلى قيم التسامح والتعايش، وتدعو للكآبة والعنف والتطرف، والفشل في الحياة.

كل هذه المآسي والمشكلات هي من صميم مسؤوليات المؤسسات الدينية، وهي ما يجب أن يكون جوهر رسالتها في المجتمع، ولكن للأسف ينطبق على كثير من هذه المؤسسات وصف «تَوَلَّىَ ما كُفيَ وضَيَّعَ ما تَوَلَّىَ».