الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«الحرس الخلفي».. المهمة النبيلة

تتضمن أدبيات فنون الحرب التقليدية اليابانية، كلمة «Shingari» التي تعني ترجمتها «الحرس الخلفي» أو «وحدة الانسحاب» في الجيش النظامي، وهي التي تؤدي المهمة الأكثر صعوبة وخطورة، وعليها تقع مسؤولية الحفاظ على حياة القوات المنسحبة، وتأمين سلامة جنودها وضباطها، وغالباً ما تكون معرّضة لهجمات الأعداء المفاجئة والوقوع في الكمائن والأشراك العسكرية الميدانية.

وفي معظم الحالات، لا تتوافر لهذه الوحدة أي فرصة لدحر العدو، ولا لاكتساح الأراضي وتحقيق الإنجازات والمكاسب العسكرية المتميزة، لأن ذلك ليس ضمن مهامها، ويكون معدل الخسائر فيها مرتفعاً أثناء عمليات الانسحاب من خطوط الاشتباك مع العدو.

وحتى لو بقي رجالها على قيد الحياة، وتمكنوا من العودة إلى ديارهم سالمين، فسيكونون قد أكملوا مهمتهم، ونادراً ما يتم تكريمهم أو الاحتفاء بهم وكأنهم خاضوا حرباً خاسرة.


ومنذ العصور الغابرة، كان يتم تعيين أكثر جنرالات «الساموراي» خبرة، لقيادة وحدات «الحرس الخلفي»، وكانوا يعتبرون هذا التكليف أعلى وسام شرف، يمكنهم الفوز به في الحرب، وجزءاً من السلوكيات التي تتطلبها النبالة العسكرية حتى عندما يؤدي ذلك إلى موتهم المحقق.


والآن، عندما أمر الرئيس الأمريكي جو بايدن بسحب آخر وحدات القوات الأمريكية من أفغانستان، اكتملت مهمة الانسحاب العسكري دون التعرض لخسائر كبيرة، تتجاوز الحدود المعقولة، تمثلت في 10 جنود أمريكيين كانوا يقومون بحراسة مطار كابول. ويمكن القول إنه في ظل هذه الخسائر المحدودة فإن الانسحاب الأمريكي سجل «نجاحاً فائقاً».

وبالرغم مما حدث، فإن الأمر يتطلب إجراء تقييم شامل ومنصف للحملة العسكرية الأمريكية في أفغانستان، والتي استمرت 20 عاماً على أساس أنها كانت تهدف لمكافحة الإرهاب والتمرد والمساعدة على بناء دولة وطنية، وكلها من الأهداف النبيلة التي زعم الرؤساء المتعاقبون على السلطة اهتمامهم بها.

وها نحن نرى كيف آثر الرئيس بايدن التراجع عن تحقيق هذه الأهداف، وتبرأ منها بصوت عالٍ، أثناء تأكيده على القطيعة بينه وبين القرارات الصادرة عن الإدارات السابقة التي حكمت البيت الأبيض.

وحتى لو استطاع أن ينأى بنفسه عن فشل الرؤساء الذين سبقوه، فإنه لا يستطيع عزل الولايات المتحدة عن ماضيها القريب في منطقة الشرق الأوسط لأنه من غير الممكن التراجع عن مجريات وأحداث التاريخ أو حذفها.

فما الذي تم إنجازه في أفغانستان على مدى 20 عاماً؟ نحن جميعاً معنيّون بالخسائر التي ترتبت على هذا الانسحاب بطريقة أو بأخرى.