السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الهاربون من الأوطان

أحزن كثيراً وأنا أشاهد الرياح والأمواج وهي تبتلع أجساد الشباب الهاربين من أوطانهم إلى الموت.. ففي كل يوم نرى حشوداً منهم تصارع في رحلة موت غريبة، كيف يقبل هؤلاء الشباب أن يستقلوا هذه السفن والمراكب المتهالكة؟

إنك تشاهد فوق هذه المراكب كل الألوان والجنسيات واللغات.. عرب وأفارقة وهنود كل واحد منهم يتصور أنه يسافر إلى أحلام الثراء والعلم والحضارة.. وحين تغرق المركب يتذكر وجه أمه التي لن يراها وأبيه الذي اختفت ملامحه خلف الأمواج.

نحن أمام قضية بسؤال مهم: لماذا يهرب الشباب من أوطانهم؟


إنهم هاربون من الفقر والأمراض والجهل.. إن هؤلاء الشباب حلموا بأوطان تمنحهم الأمان وعاشوا تجربة الحروب الأهلية.. وبعد أن تحررت أوطانهم من الاستعمار البغيض استعبدتهم نظم جائرة مستبدة.. وبعد أن كانت أحلامهم في ثروات بلادهم نهبها المغامرون والسماسرة والتجار وأصبحوا المستعمرون الجدد.


لم يجدوا في أوطانهم غير الفقر والموت والسجون، وكان الهروب الكبير هو الحل.. رحلة الموت الذي لا رجوع بعده.. إن أوروبا تفتح أبوابها للأطفال وتطرد الشباب.. بل إنها تعيد تعليم الأطفال وتربيتهم للمستقبل إنهم الثروة التي يبحثون عنها.. أما الشباب الساخط الغاضب الذي جاء بكل أمراض التخلف والتطرف فغير مرحب به!

إن عشرات المؤتمرات تناقش كيف توقف أوروبا حشود المهاجرين القادمين إليها.. إن بلادهم طاردة لهم والعالم لا يقبلهم ويتصور أنهم جماعات إرهابية تقتحم مدائنهم وتحمل التخلف والتطرف والدمار.

هنا، يقف شباب الدول الفقيرة حائراً بين استبداد يعصف به وأمواج تحاصره ورحلة موت يراها العالم كل يوم ولا يجد لها حلاً.

إن الغريب في قضية الهجرة ألّا أحد يهتم بها.. إن من ابتلعتهم الأمواج لن يراهم أحد.. والذين هربوا إلى حدود بلادهم لا يقبلهم أحد، وهم ينتظرون دورهم في مقصلة الحروب الأهلية.. وهناك عالم مات ضميره لا يعنيه من مات غريقاً أو مات غريباً.. والواضح أن الجميع شركاء في الجريمة.

لا أتصور أن يكون مصير الشباب في الدول الفقيرة بعد أن استباح الاستعمار أوطانهم.. أن يكون الموت غرقاً هو نهاية المشوار وآخر فصول الرحلة.. كان ينبغي أن تبحث المؤسسات والهيئات الدولية عن حلول تمنع مثل هذه الكوارث الإنسانية، ولكن لا أحد يسأل ولا أحد يهتم.. إنهم بعض ضحايا الحضارة، وهي للأسف حضارة بلا قلب.